{17} {يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} .
أي: يدور على أهل الجنة لخدمة وقضاء حوائجهم، ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن والبهاء، {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} أي: مستور، لا يناله ما يغيره، مخلوقون للبقاء والخلد، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا يزيدون على أسنانهم.
ويدورون عليهم بآنية شرابهم {بِأَكْوَابٍ} وهي التي لا عرى لها، {وَأَبَارِيقَ} الأواني التي لها عرى، {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أي: من خمر لذيذ المشرب، لا آفة فيها.
{لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي: لا تصدعهم رءوسهم كما تصدع خمرة الدنيا رأس شاربها.
ولا هم عنها ينزفون، أي: لا تنزف عقولهم، ولا تذهب أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا.
والحاصل: أن جميع (?) ما في الجنة من أنواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا يوجد في الجنة فيه آفة، كما قال تعالى: {فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} وذكر هنا خمر الجنة، ونفى عنها كل آفة توجد في الدنيا.
{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، واشتهته نفوسهم، من أنواع الفواكه الشهية، والجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه.
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه، ومن أي جنس من لحمه أرادوا، وإن شاءوا مشويا، أو طبيخا، أو غير ذلك.
{وَحُورٌ عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي: ولهم حور عين، والحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء، والعين: حسان الأعين وضخامها (?) وحسن العين في الأنثى، من أعظم الأدلة على حسنها وجمالها.
{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن [بوجه] ، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت.
فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر الخاطر (?) ويروق الناظر.
وذلك النعيم المعد لهم {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} فكما حسنت منهم الأعمال، أحسن الله لهم الجزاء، ووفر لهم الفوز والنعيم.
{لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا} أي: لا يسمعون في جنات النعيم كلاما يلغى، ولا يكون فيه فائدة، ولا كلاما يؤثم صاحبه.
{إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا} أي: إلا كلاما طيبا، وذلك لأنها دار الطيبين، ولا يكون فيها إلا كل طيب، وهذا دليل على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم، وأنه أطيب كلام، وأسره للنفوس (?) وأسلمه من كل لغو وإثم، نسأل الله من فضله.