{213 - 216} {فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ} .
ينهى تعالى رسوله أصلا وأمته أسوة له في ذلك، عن دعاء غير الله، من جميع المخلوقين، وأن ذلك موجب للعذاب الدائم، والعقاب السرمدي، لكونه -[599]- شركا، {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ} والنهي عن الشيء، أمر بضده، فالنهي عن الشرك، أمر بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، محبة، وخوفا، ورجاء، وذلا وإنابة إليه في جميع الأوقات. ولما أمره بما فيه كمال نفسه، أمره بتكميل غيره فقال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ} .
الذين هم أقرب الناس إليك، وأحقهم بإحسانك الديني والدنيوي، وهذا لا ينافي أمره بإنذار جميع الناس، كما إذا أمر الإنسان بعموم الإحسان، ثم قيل له " أحسن إلى قرابتك " فيكون هذا خصوصا (?) دالا على التأكيد، وزيادة الحق، فامتثل صلى الله عليه وسلم، هذا الأمر الإلهي، فدعا سائر بطون قريش، فعمم وخصص، وذكرهم ووعظهم، ولم يُبْق صلى الله عليه وسلم من مقدوره شيئا، من نصحهم، وهدايتهم، إلا فعله، فاهتدى من اهتدى، وأعرض من أعرض.
{وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} بلين جانبك، ولطف خطابك لهم، وتوددك، وتحببك إليهم، وحسن خلقك والإحسان التام بهم، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، ذلك كما قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ} فهذه أخلاقه صلى الله عليه وسلم، أكمل الأخلاق، التي يحصل بها من المصالح العظيمة، ودفع المضار، ما هو مشاهد، فهل يليق بمؤمن بالله ورسوله، ويدعي اتباعه والاقتداء به، أن يكون كلا على المسلمين، شرس الأخلاق، شديد الشكيمة عليهم، غليظ القلب، فظ القول، فظيعه؟ [و] إن رأى منهم معصية، أو سوء أدب، هجرهم، ومقتهم، وأبغضهم، لا لين عنده، ولا أدب لديه، ولا توفيق، قد حصل من هذه المعاملة، من المفاسد، وتعطيل المصالح ما حصل، ومع ذلك تجده محتقرا لمن اتصف بصفات الرسول الكريم، وقد رماه بالنفاق والمداهنة، وقد كمَّل نفسه ورفعها، وأعجب بعمله، فهل هذا إلا من جهله، وتزيين الشيطان وخدعه له، ولهذا قال الله لرسوله: {فَإِنْ عَصَوْكَ} في أمر من الأمور، فلا تتبرأ منهم، ولا تترك معاملتهم، بخفض الجناح، ولين الجانب، بل تبرأ من عملهم، فعظهم عليه وانصحهم، وابذل قدرتك في ردهم عنه، وتوبتهم منه، وهذا لدفع احتراز وهم من يتوهم، أن قوله {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ} للمؤمنين، يقتضي الرضاء بجميع ما يصدر منهم، ما داموا مؤمنين، فدفع هذا بهذا والله أعلم.