{إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا} أي خبر من عند الله لا من عند أنفسنا {أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} أي كذب بأخبار الله وأخبار رسله وتولى عن الانقياد لهم واتباعهم وهذا فيه الترغيب لفرعون بالإيمان والتصديق واتباعهما والترهيب من ضد ذلك ولكن لم يفد فيه هذا الوعظ والتذكير فأنكر ربه وكفر وجادل في ذلك ظلما وعنادا
-[507]-
{49 - 55} {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى * قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى} .
أي: قال فرعون لموسى على وجه الإنكار: {فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى} فأجاب موسى بجواب شاف كاف واضح، فقال: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} أي: ربنا الذي خلق جميع المخلوقات، وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به، الدال على حسن صنعه من خلقه، من كبر الجسم وصغره وتوسطه، وجميع صفاته، {ثُمَّ هَدَى} كل مخلوق إلى ما خلقه له، وهذه الهداية العامة (?) المشاهدة في جميع المخلوقات فكل مخلوق، تجده يسعى لما خلق له من المنافع، وفي دفع المضار عنه، حتى إن الله تعالى أعطى الحيوان البهيم من العقل، ما يتمكن (?) به على ذلك.
وهذا كقوله تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} فالذي خلق المخلوقات، وأعطاها خلقها الحسن، الذي لا تقترح العقول فوق حسنه، وهداها لمصالحها، هو الرب على الحقيقة، فإنكاره إنكار لأعظم الأشياء وجودا، وهو مكابرة ومجاهرة بالكذب، فلو قدر أن الإنسان، أنكر من الأمور المعلومة ما أنكر، كان إنكاره لرب العالمين أكبر من ذلك، ولهذا لما لم يمكن فرعون، أن يعاند هذا الدليل القاطع، عدل إلى المشاغبة، وحاد عن المقصود فقال لموسى: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأولَى} أي: ما شأنهم، وما خبرهم؟ وكيف وصلت بهم الحال، وقد سبقونا إلى الإنكار والكفر، والظلم، والعناد، ولنا فيهم أسوة؟ فقال موسى: