أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (99)
فإن قلت: علام عطف قوله وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا؟ قلت: على قوله أَوَلَمْ يَرَوْا لأن المعنى قد علموا بدليل العقل أنّ من قدر على خلق السموات والأرض فهو قادر على خلق أمثالهم من الإنس، لأنهم ليسوا بأشد خلقا منهن كما قال: أأنتم أشد خلقا أم السماء وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لا رَيْبَ فِيهِ وهو الموت أو القيامة، فأبوا مع وضوح الدليل إلا جحودا.
[سورة الإسراء (17) : آية 100]
قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (100)
لَوْ حقها أن تدخل على الأفعال دون الأسماء، فلا بد من فعل بعدها في لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ وتقديره لو تملكون، فأضمر تملك إضمارا على شريطة التفسير، وأبدل من الضمير المتصل الذي هو الواو ضمير منفصل، وهو أنتم، لسقوط ما يتصل به من اللفظ، فأنتم: فاعل الفعل المضمر، وتملكون: تفسيره! وهذا هو الوجه الذي يقتضيه علم الإعراب. فأمّا ما يقتضيه علم البيان، فهو: أنّ أنتم تملكون فيه دلالة على الاختصاص، وأنّ الناس هم المختصون بالشح المتبالغ، ونحوه قول حاتم:
لو ذات سوار لطمتنى
وقول المتلمس:
ولو غير أخوالى أرادوا نقيصتى «1»
وذلك لأنّ الفعل الأول لما سقط لأجل المفسر، وبرز الكلام في صورة المبتدإ والخبر. ورحمة الله: رزقه وسائر نعمه على خلقه، ولقد بلغ هذا الوصف بالشح الغاية التي لا يبلغها الوهم.
وقيل: هو لأهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها، وأنهم لو ملكوا خزائن الأرزاق لبخلوا بها قَتُوراً ضيقا بخيلا. فإن قلت: هل يقدر لَأَمْسَكْتُمْ مفعول؟
قلت: لا، لأن معناه: لبخلتم، من قولك للبخيل: ممسك.