قوله - عز وجل: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} الآية: (3) سورة البقرة.
الإيمان: التصديق بالشيء، ولا يكون التصديق إلا عن علم.
ولذلك قال تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فالإيمان: اسم لثلاثة أشياء: علم بالشيء وإقرار به، وعمل بمقتضاه، إن كان لذلك المعلوم عمل، كالصلاة والزكاة.
وهذا هو الأضل، ثم قد يستعمل في كل واحد من هذه الثلاثة، فقال: " فلان مؤمن "، ويعني به أنه مقر بما يحصن دمه وماله وإياه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها "، وبذلك حكم - عليه السلام - على الجارية التي عرضت عليه فسألها ما سألها.
ثم قال: " اعتقها فإنها مؤمنة " ويقال: " مؤمن " ويراده: أنه يعرف الأدلة الإقناعية التي يحصل معها سكون النفس، وإياه عنى النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة "، ويقال: " مؤمن "، ويعني به: أنه يسكن قلبه إلى الله من غير تلفت إلى شيء من عوارض الدنيا وإياه عنى الله تعالى بقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية، وبقوله: {أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} و " الغيب ": ما لا يقع تحت الحواس، ولا تقتضيه بداية العقول، وإنما يعلم إما بواسطة علم ما أو الاستشهاد به عليه، وإما بخبر الصادق، وهو الذي دفعه قوم، فلزمهم اسم الإلحاد، لأن الإلحاد: دفع أخبار الغيب، وقول: " زر بأن ": الغيب: هو القرآن.
وقول عطاء: إنه القدر: تمثيل لبعض ما هو غيب.
وليس ذلك بخلاف بينهم، بل كل أشار إلى الغيب بمثال وكذا ما روى أبو جمعة " إنا كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا يا رسول الله: هل قوم أعظم أجرا منا، آمنا بك واتبعناك.
قال: ما يمنعكم من ذلك ورسول الله بين أظهركم يأتيكم بالوحي من السماء، بل قوم من بعدكم يأتيهم كتاب بين لوحين،