الأولياء: إن مثل هداية الله مع الناس كمثل سيل مر على قلات وغداير، فيتناول كل قلت منها بقدر سعته، ثم قال قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا}، وقال بعضهم: هي كمطر أتى على أرضين، فتنتفع كل أرض بقدر ترشيحها للانتفاع به، والمنزلة الرابعة من الهداية، التمكين من مجاورته في دار الخلد وإياها عنى الله تعالى: بقوله: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا} فإذا ثبت ذلك فمن الهداية ما لا ينفي عن أحد بوجه، ومنها ما ينفي عن بعض ويثبت لبعض، ومن هذا الوجه قال تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، وقال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}، وقال: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ}، فإنه عنى الهداية التي هي التوفيق وإدخال الجنة دون التي هي الدعاء، لقزله تعالى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}، وقال في الأنبياء: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا}، فقوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} فسر على وجوه بحسب أنظار مختلفة إلى الوجوه المذكورة: الأول: أنع عنى الهداية العامة، وأمر أن ندعو بذلك، وإن كان هو قد فعله لا محالة، ليزيدنا ثواباً بالدعاء، كما أمرنا أن نقول: " اللهم صل على محمد ".
الثاني: قيل: وفقنا لطريقه الشرع.
الثالث: احرسنا عن استغواء الغواة وإستهواء الشهوات، واعصمنا من الشبهات.
الرابع: زدنا هدى واستنجاحاً لما وعدت بقولك: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}.
وقولك: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}، الخامس: قيل: علمنا العلم الحقيقي، فذلك سبب الخلاص، وهو المعبر عنه بالنور في قوله تعالى: {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}، السادس: قيل سؤال الجنة، لقوله تعالى: {الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ (4) سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ}