فالنظم صورة القرآن، واللفظ والمعنى عنصره، وباختلاف الصور يختلف حكم الشيء واسمه لا بعنصره، كالخاتم والقرط والخلخال تختلف أحكامها وأسماؤها باختلاف صورها لا بعنصرها الذي هو الذهب والفضة، فإذا ثبت [هذا ثبت] أن الإعجاز المختص بالقرآن متعلق بالنظم المخصوص.
وبيان كونه معجزاًَ هو أن نبين نظم الكلام، ثم نبين أن هذا النظم مخالف لنظم سائره، فنقول: لتأليف الكلام خمس مراتب: الأولى: ضم حروف التهجي بعضها إلى بعض، حتى يتركب منها الكلمات الثلاث: الاسم والفعل والحرف.
والثانية: أن يؤلف بعض ذلك مع بعض حتى يتركب منها لجمل المفيدة، وهي النوع الذي يتداوله الناس جميعاً في مخاطباتهم، وقضاء حوائجهم، ويقال له: المنثور من الكلام، والثالثة: أن يضم بعض ذلك إلى بعض ضماً له مبادئ ومقاطع، ومداخل ومخارج، ويقال له المنظوم، والرابعة: أن يجعل له في أواخر الكلام مع ذلك تسجيع ويقال له: المسجع.
الخامسة: أن يجعل له مع ذلك وزن مخصوص، ويقال له الشعر.
وقد انتهى.
وبالحق صار كذلك: فإن الكلام إما منثور فقط، أو مع النثر نظم، أو مع النظم سجع، أو مع السجع وزن، والمنظوم: إما محاورة، ويقال لها: الخطابة، وإما مكاتبة، ويقال لها: الرسالة، وأنواع الكلام لا تخرج عن هذه الجملة.
ولكن من ذلك نظم مخصوص.
والقرآن حاو لمحاسن جميعه بنظم ليس هو نظم شيء منها بدلالة أنه لا يصح أن يقال: القرآن رسالة، أو خطابة، أو شعر، كما يصح أن يقال: هو كلام، ومن قرع سمعه فصل بينه وبين سائر النظم.
ولهذا قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ (41) لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} تنبيهاً على أن تأليفه ليس [على] هيئة نظم يتعاطاه البشر، فيمكن أن يزاد فيه كحال الكتب الأخر،
فإن قيل: ولمَ لمْ يتبع نظم القرآن الوزن الذي هو الشعر، وقد علم أن للموزون من الكلام مرتبة أعلى من مرتبة المنظوم غير الموزون، إذ كل موزون منظوم وليس كل منظوم موزوناً؟ قيل: إنما جنب القرآن نظم الشعر ووزنه لخاصية في