وقد تقرر أن أنواع الكلام المركب الخبر، والاستخبار، والأمر، والنهي والطلب والشافعة، والوارد في كلام الله تعالى من ذلك: الخبر والأمر والنهي، وذاك أن علام الغيوب لا يحتاج إلى الاستخبار وكل ما ورد من ألفاظ الاستخبار فعلى الحكاية أو على الانكار والتوبيخ، والمولى لا يطلب من عبده ولا يتشفع إليه.
فإذن هذه الثلاثة ساقطة من القرآن، والخبر: ما ينطلق عليه الصدق والكذب، وخاصيته أن يتعلق بالأزمان الثلاث.
والأمر والنهي لا ينطلق عليهما ذلك، ولا يتعلقان إلا بالمستقبل، وفائدة الخبر ضربان: أحدهما: إلقاء ما ليس عند المخاطب إليه ليتصوره نحو أمور الآخرة من الثواب والعقاب.
والثاني: إلقاء ما قد تصوره ليتأكد عنده.
وعلى ذلك جميع ما ورد في القرآن مما قد علم بالعقل مثل " الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ".
وفائدة الأمر والنهي شيئان: أحدهما: حث المخاطب على اكتساب محمود واجتناب مذموم، والثاني: حثه على الوجه الذي به يكتسب المحمود ويجتنب المذموم المقررين عند المخاطب، والغرض الأقصى من الخطاب الخبري: إيصال المخاطب إلى تالفرق بين الحق والباطل ليعتقد الحق دون الباطل.
ومن الأمر والنهي ان يفرق بين الجميل والقبيح، ليتحرى الجميل، ويجتنب القبيح، فكل خبر: فإما أن يكون معرباً عما يلزم اعتقاده، فيسمى " الخبر الاعتقادي " وذلك نحو ما ينطوي عليه قوله: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} وإما أن يكون مبيناً عما يقتضي الاعتبار به، فيسمى " الخبر الاعتباري "، كأخبار الأنبياء وأممهم والقرون الماضية، والأخبار عن خلق السماوات والأرض.
وكل أمر ونهي: فإما أن يكون أمراً بما يقتضي العقل حسنه، ونهياً عما يقتضي العقل قبحه، فيسمى " الأوامر والنواهي العقلية "، أو أمراً بما تقصر عقولنا عن معرفة حسنه، ونهياً عما تقصر