بسم الله الرّحمن الرّحيم
ثلاثون وست آيات مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذا كالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3)
اعْلَمْ أَنَّ اتِّصَالَ أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ بِآخِرِ السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ظَاهِرٌ، لِأَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ فِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ أَنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَوْمٌ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَهْدِيدًا عَظِيمًا لِلْعُصَاةِ، فَلِهَذَا أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ وَالْمُرَادُ الزَّجْرُ عَنِ التَّطْفِيفِ، وَهُوَ الْبَخْسُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الْخُفْيَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْكَثِيرَ يَظْهَرُ فَيُمْنَعُ مِنْهُ، وَذَلِكَ الْقَلِيلُ إِنْ ظَهَرَ أَيْضًا مُنِعَ مِنْهُ، فَعَلِمْنَا أَنَّ التَّطْفِيفَ هُوَ الْبَخْسُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ بِالشَّيْءِ الْقَلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الخفية، وهاهنا مسائل:
المسألة الأول: الْوَيْلُ، كَلِمَةٌ تُذْكَرُ عِنْدَ وُقُوعِ الْبَلَاءِ، يُقَالُ: وَيْلٌ لَكَ، وَوَيْلٌ عَلَيْكَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي اشْتِقَاقِ لَفْظِ الْمُطَفِّفِ قَوْلَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّ طَفَّ الشَّيْءِ هُوَ جَانِبُهُ وَحَرْفُهُ، يُقَالُ: طَفَّ الْوَادِي وَالْإِنَاءُ، إِذَا بَلَغَ الشَّيْءُ الَّذِي فِيهِ حَرْفَهُ وَلَمْ يَمْتَلِئْ فَهُوَ طِفَافُهُ وَطَفَافُهُ وَطَفَفُهُ، وَيُقَالُ: هَذَا طَفُّ الْمِكْيَالِ وَطَفَافُهُ، إِذَا قَارَبَ مَلْأُهُ لكنه بعد لم يمتلئ، ولهذا قيل: الذي يُسِيءُ الْكَيْلَ وَلَا يُوَفِّيهِ مُطَفِّفٌ، يَعْنِي أَنَّهُ إِنَّمَا يَبْلُغُ الطِّفَافَ وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الزَّجَّاجِ: أَنَّهُ إِنَّمَا قِيلَ لِلَّذِي يَنْقُصُ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ مُطَفِّفٌ، لِأَنَّهُ يَكُونُ الَّذِي لَا يَسْرِقُ فِي الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ إِلَّا الشَّيْءَ الْيَسِيرَ الطَّفِيفَ، وَهَاهُنَا سُؤَالَاتٌ:
الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنَّ الِاكْتِيَالَ الْأَخْذُ بِالْكَيْلِ، كَالِاتِّزَانِ الْأَخْذُ بِالْوَزْنِ، ثُمَّ إِنَّ اللُّغَةَ الْمُعْتَادَةَ أَنْ يُقَالَ: اكْتَلْتُ مِنْ فُلَانٍ، وَلَا يُقَالُ: اكْتَلْتُ عَلَى فُلَانٍ، فَمَا الْوَجْهُ فِيهِ هَاهُنَا؟
الْجَوَابُ: مِنْ وَجْهَيْنِ الْأَوَّلُ: لَمَّا كَانَ اكْتِيَالُهُمْ مِنَ النَّاسِ اكْتِيَالًا فِيهِ إِضْرَارٌ بِهِمْ وَتَحَامُلٌ عَلَيْهِمْ، أُقِيمَ عَلَى مُقَامٍ مِنَ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ الثَّانِي: قَالَ الْفَرَّاءُ: الْمُرَادُ اكْتَالُوا مِنَ النَّاسِ، وَعَلَى وَمِنْ/ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ يَعْتَقِبَانِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ، فَإِذَا قَالَ اكْتَلْتُ عَلَيْكَ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَخَذْتُ مَا عَلَيْكَ، وَإِذَا قَالَ اكتلت منك، فهو كقوله استوفيت