لَهُ مِنْ جِنْسِهِ وَثَالِثُهَا: الْقَسْوَرَةُ: رِكْزُ النَّاسِ وَأَصْوَاتُهُمْ وَرَابِعُهَا: أَنَّهَا ظُلْمَةُ اللَّيْلِ. قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : وَفِي تَشْبِيهِهِمْ بِالْحُمُرِ شَهَادَةٌ عَلَيْهِمْ بِالْبَلَهِ، وَلَا تَرَى مِثْلَ نِفَارِ حَمِيرِ الْوَحْشِ، وَإِطْرَادِهَا فِي الْعَدْوِ إِذَا خَافَتْ مِنْ شَيْءٍ.
ثُمَّ قال تعالى:
بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52)
أَنَّهُمْ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا نُؤْمِنُ بِكَ حَتَّى تَأْتِيَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَّا بِكِتَابٍ مِنَ السَّمَاءِ عُنْوَانُهُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِلَى فُلَانِ بْنِ فلان، ونؤمر فيه باتباعك، ونظيره لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ [الْإِسْرَاءِ: 93] وَقَالَ: وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ [الْأَنْعَامِ: 7] وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مُحَمَّدٌ صَادِقًا فَلْيُصْبِحْ عِنْدَ رَأْسِ كُلِّ رَجُلٍ مِنَّا صَحِيفَةٌ فِيهَا بَرَاءَةٌ مِنَ النَّارِ، وَقِيلَ: كَانُوا يَقُولُونَ بَلَغَنَا أَنَّ الرَّجُلَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ يُصْبِحُ مَكْتُوبًا عَلَى رَأْسِهِ ذَنْبُهُ وَكَفَّارَتُهُ فَأْتِنَا بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِنَ الصُّحُفِ الْمُنَشَّرَةِ بِمَعْزِلٍ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالصُّحُفِ الْمُنَشَّرَةِ، الْكِتَابَاتِ الظَّاهِرَةِ الْمَكْشُوفَةِ، وَقَرَأَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ صُحُفاً مُنَشَّرَةً بِتَخْفِيفِهِمَا عَلَى أَنَّ أَنْشَرَ الصُّحُفَ وَنَشَّرَهَا وَاحِدٌ، كَأَنْزَلَهُ وَنَزَّلَهُ. ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:
[سورة المدثر (74) : آية 53]
كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (53)
كَلَّا وَهُوَ رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ تِلْكَ الْإِرَادَةِ، وزجر عن اقتراح الآيات.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: بَلْ لَا يَخافُونَ الْآخِرَةَ فَلِذَلِكَ أَعْرَضُوا عَنِ التَّأَمُّلِ، فَإِنَّهُ لَمَّا حَصَلَتِ الْمُعْجِزَاتُ الْكَثِيرَةُ، كَفَتْ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى صِحَّةِ النُّبُوَّةِ فَطَلَبُ الزِّيَادَةِ يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعَنُّتِ.
كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (55)
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: كَلَّا وَهُوَ رَدْعٌ لَهُمْ عَنْ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ يَعْنِي تَذْكِرَةٌ بَلِيغَةٌ كَافِيَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ أَيْ جَعَلَهُ نُصْبَ عَيْنِهِ، فَإِنَّ نَفْعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ إِلَيْهِ، وَالضَّمِيرُ فِي إِنَّهُ وذَكَرَهُ لِلتَّذْكِرَةِ فِي قَوْلِهِ: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ [المدثر: 49] وإنما ذكر [ت] لأنها في معنى الذكر أو القرآن.
[سورة المدثر (74) : آية 56]
وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56)
وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ. قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: يَعْنِي إِلَّا أَنْ يَقْسِرَهُمْ عَلَى الذِّكْرِ وَيُلْجِئَهُمْ إِلَيْهِ وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ تَعَالَى نَفَى الذِّكْرَ مُطْلَقًا، وَاسْتَثْنَى عَنْهُ حَالَ الْمَشِيئَةِ الْمُطْلَقَةِ، فَيَلْزَمُ أَنَّهُ مَتَى حَصَلَتِ الْمَشِيئَةُ أَنْ يَحْصُلَ الذِّكْرُ فَحَيْثُ لَمْ يَحْصُلِ الذِّكْرُ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ تَحْصُلِ الْمَشِيئَةُ، وَتَخْصِيصُ الْمَشِيئَةِ بِالْمَشِيئَةِ الْقَهْرِيَّةِ تَرْكٌ للظاهر، وقرئ يذكرون بِالْيَاءِ وَالتَّاءِ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا.