بسم الله الرّحمن الرّحيم
وهي عشرون آية مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُزَّمِّلِ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَأَصْلُهُ الْمُتَزَمِّلُ بِالتَّاءِ وَهُوَ الَّذِي تَزَمَّلَ بِثِيَابِهِ أَيْ تَلَفَّفَ بِهَا، فَأُدْغِمَ التَّاءُ فِي الزَّايِ، وَنَحْوُهُ الْمُدَّثِّرُ فِي الْمُتَدَثِّرِ، وَاخْتَلَفُوا لِمَ تَزَمَّلَ بِثَوْبِهِ؟ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَوَّلُ مَا جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَافَهُ وَظَنَّ أَنَّ بِهِ مَسًّا مِنَ الْجِنِّ، فَرَجَعَ مِنَ الْجَبَلِ مُرْتَعِدًا وَقَالَ: زَمِّلُونِي، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ جَاءَ جِبْرِيلُ وَنَادَاهُ وَقَالَ: يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ وَثَانِيهَا: قَالَ الْكَلْبِيُّ: إِنَّمَا تَزَمَّلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِثِيَابِهِ لِلتَّهَيُّؤِ لِلصَّلَاةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَرَّاءِ وَثَالِثُهَا: أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ نَائِمًا بِاللَّيْلِ مُتَزَمِّلًا فِي قَطِيفَةٍ فَنُودِيَ بِمَا يُهْجِنُ تِلْكَ الْحَالَةَ، وَقِيلَ: يَا أَيُّهَا النَّائِمُ الْمُتَزَمِّلُ بِثَوْبِهِ قُمْ وَاشْتَغِلْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ كَانَ مُتَزَمِّلًا فِي مِرْطٍ لِخَدِيجَةَ مُسْتَأْنِسًا بِهَا فَقِيلَ لَهُ: يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ كَأَنَّهُ قِيلَ: اتْرُكْ نَصِيبَ النَّفْسِ وَاشْتَغِلْ بِالْعُبُودِيَّةِ وَخَامِسُهَا: قَالَ عِكْرِمَةُ: يَا أَيُّهَا الَّذِي زُمِّلَ أَمْرًا عَظِيمًا أَيْ حَمَلَهُ وَالزَّمْلُ الْحَمْلُ، وَازْدَمَلَهُ احْتَمَلَهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ عكرمة الْمُزَّمِّلُ والْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] بِتَخْفِيفِ الزَّايِ وَالدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَالثَّاءِ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ، فَإِنْ كَانَ عَلَى اسْمِ الْفَاعِلِ كَانَ الْمَفْعُولُ مَحْذُوفًا وَالتَّقْدِيرُ يَا أَيُّهَا الْمُزَمِّلُ نَفْسَهُ وَالْمُدَثِّرُ نَفْسَهُ وَحَذْفُ الْمَفْعُولِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ فَصِيحٌ قَالَ تَعَالَى: وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ [النَّمْلِ:
23] أَيْ أُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ شَيْئًا، وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنَّهُ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ زَمَّلَ نَفْسَهُ أَوْ زَمَّلَهُ غَيْرُهُ، وَقُرِئَ (يَا أيها المتزمل) على الأصل.
قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (4)
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: قُمِ اللَّيْلَ فِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ قِيَامَ اللَّيْلِ كَانَ فَرِيضَةً عَلَى رَسُولِ اللَّهِ لِقَوْلِهِ: قُمِ اللَّيْلَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ لِلْوُجُوبِ ثُمَّ نُسِخَ، وَاخْتَلَفُوا فِي سَبَبِ النَّسْخِ عَلَى وُجُوهٍ أَوَّلُهَا: أَنَّهُ كَانَ فَرْضًا قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَوَاتُ