وَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: أَمْ لَكُمْ سُلْطانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتابِكُمْ [الصَّافَّاتِ: 156] وَالْأَصْلُ تَدْرُسُونَ أَنَّ لَكُمْ مَا تَتَخَيَّرُونَ بِفَتْحِ أَنَّ لِأَنَّهُ مُدَرَّسٌ، فَلَمَّا/ جَاءَتِ اللَّامُ كُسِرَتْ، وَتَخَيَّرَ الشَّيْءَ وَاخْتَارَهُ، أَيْ أَخَذَ خَيْرَهُ وَنَحْوَهُ تَنَخَّلَهُ وَانْتَخَلَهُ إِذَا أَخَذَ منخوله. ثم قال تعالى:
أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (39)
وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: يُقَالُ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ يَمِينٌ بِكَذَا إذا ضمنته منه وخلقت له على الوقاء بِهِ يَعْنِي أَمْ ضِمْنًا مِنْكُمْ وَأَقْسَمْنَا لَكُمْ بِأَيْمَانٍ مُغَلَّظَةٍ مُتَنَاهِيَةٍ فِي التَّوْكِيدِ. فَإِنْ قِيلَ: إِلَى فِي قَوْلِهِ: إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بِمَ يَتَعَلَّقُ؟ قُلْنَا: فِيهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: بالِغَةٌ أَيْ هَذِهِ الْأَيْمَانُ فِي قُوَّتِهَا وَكَمَالِهَا بِحَيْثُ تَبْلُغُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ. أَيْمَانٌ ثَابِتَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَيَكُونُ مَعْنَى بَالِغَةٌ مُؤَكَّدَةً كَمَا تَقُولُ جَيِّدَةٌ بَالِغَةٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ مُتَنَاهٍ فِي الصِّحَّةِ وَالْجَوْدَةِ فَهُوَ بَالِغٌ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ فَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ لِأَنَّ مَعْنَى: أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا أَمْ أَقْسَمْنَا لَكُمْ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَرَأَ الْحَسَنُ بَالِغَةً بِالنَّصْبِ وَهُوَ نَصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ فِي الظَّرْفِ. ثم قال للرسول عليه الصلاة والسلام:
[سورة القلم (68) : آية 40]
سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (40)
وَالْمَعْنَى أَيُّهُمْ بِذَلِكَ الْحُكْمِ زَعِيمٌ، أَيْ قَائِمٌ بِهِ وَبِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى صِحَّتِهِ، كَمَا يَقُومُ زَعِيمُ الْقَوْمِ بِإِصْلَاحِ أُمُورِهِمْ. ثم قال:
[سورة القلم (68) : آية 41]
أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (41)
وَفِي تَفْسِيرِهِ وَجْهَانِ الْأَوَّلُ: الْمَعْنَى أَمْ لهم أشياء يعتقدون أنها شركاء لله فَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ أُولَئِكَ الشُّرَكَاءَ يَجْعَلُونَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِثْلَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ وَالْخَلَاصِ مِنَ الْعِقَابِ، وَإِنَّمَا أَضَافَ الشُّرَكَاءَ إِلَيْهِمْ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوهَا شُرَكَاءَ لِلَّهِ وَهَذَا كَقَوْلِهِ: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ [الرُّومِ: 40] ، الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْمَعْنَى أَمْ لَهُمْ نَاسٌ يُشَارِكُونَهُمْ فِي هَذَا الْمَذْهَبِ وَهُوَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُجْرِمِينَ، فَلْيَأْتُوا بِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ فِي دَعْوَاهُمْ، وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّهُ كَمَا لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ عَقْلِيٌّ فِي إِثْبَاتِ هَذَا الْمَذْهَبِ، وَلَا دَلِيلٌ نَقْلِيٌّ وَهُوَ كِتَابٌ يَدْرُسُونَهُ، فَلَيْسَ لَهُمْ مَنْ يُوَافِقُهُمْ مِنَ الْعُقَلَاءِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ بَاطِلٌ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَبْطَلَ قَوْلَهُمْ، وَأَفْسَدَ مَقَالَتَهُمْ شَرَحَ بَعْدَ ذَلِكَ عَظَمَةَ يَوْمِ القيامة.
يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (42) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (43)
فَقَالَ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَفِيهِ مَسَائِلُ: