وَالْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ، وَقَدْ شَرَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْحَدِيدِ، وَمَضَى شَيْءٌ مِنْهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ: وَنُقَدِّسُ لَكَ [الْبَقَرَةِ: 30] وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنَّهُ الَّذِي كثرت بركاته.

وقوله: السَّلامُ فيه ووجهان الْأَوَّلُ: أَنَّهُ بِمَعْنَى السَّلَامَةِ وَمِنْهُ دَارُ السَّلَامِ، وَسَلَامٌ عَلَيْكُمْ وُصِفَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي كَوْنِهِ سليما من النقائض كَمَا يُقَالُ: رَجَاءٌ، وَغِيَاثٌ، وَعَدْلٌ فَإِنْ قِيلَ فَعَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ لَا يَبْقَى بَيْنَ الْقُدُّوسِ، وَبَيْنَ السَّلَامِ فَرْقٌ، وَالتَّكْرَارُ خِلَافُ الْأَصْلِ، قُلْنَا: كَوْنُهُ قُدُّوسًا، إِشَارَةٌ إِلَى بَرَاءَتِهِ عَنْ جَمِيعِ العيوب في الماضي والحاضر، كونه: سَلِيمًا، إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَا يَطْرَأُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْعُيُوبِ فِي الزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّ الَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْعُيُوبِ، فَإِنَّهُ تَزُولُ سَلَامَتُهُ وَلَا يَبْقَى سَلِيمًا الثَّانِي: أَنَّهُ سَلَامٌ بِمَعْنَى كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلسَّلَامَةِ.

وَقَوْلُهُ: الْمُؤْمِنُ فيه ووجهان الأول: أنه الذي آمن أولياء عَذَابَهُ، يُقَالُ: آمَنَهُ يُؤَمِّنُهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَالثَّانِي:

أَنَّهُ الْمُصَدِّقُ، إِمَّا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يُصَدِّقُ أَنْبِيَاءَهُ بِإِظْهَارِ الْمُعْجِزَةِ لَهُمْ، أَوْ لِأَجْلِ أَنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْهَدُونَ لِسَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا قَالَ: لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ [الْبَقَرَةِ: 143] ثُمَّ إِنَّ اللَّه يَصْدُقُهُمْ فِي تِلْكَ الشَّهَادَةِ، وَقُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ، يَعْنِي الْمُؤْمِنَ بِهِ عَلَى حَذْفِ الْجَارِ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ: وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الْأَعْرَافِ: 155] .

وَقَوْلُهُ: الْمُهَيْمِنُ قَالُوا: مَعْنَاهُ الشَّاهِدُ الَّذِي لَا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ. ثُمَّ فِي أَصْلِهِ قَوْلَانِ، قَالَ الْخَلِيلُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ: هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ إِذَا كان رقيب عَلَى الشَّيْءِ، وَقَالَ آخَرُونَ: مُهَيْمِنٌ أَصْلُهُ مُؤَيْمِنٌ، مِنْ آمَنَ يُؤْمِنُ، فَيَكُونُ بِمَعْنَى الْمُؤْمِنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ اسْتِقْصَاؤُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ [الْمَائِدَةِ: 48] وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:

الْمُهَيْمِنُ الْقَائِمُ عَلَى خَلْقِهِ بِرِزْقِهِ وَأَنْشَدَ:

أَلَا إِنَّ خَيْرَ النَّاسِ بَعْدَ نَبِيِّهِ ... مُهَيْمِنُهُ التَّالِيهِ فِي الْعُرْفِ وَالنُّكْرِ

قَالَ مَعْنَاهُ: الْقَائِمُ عَلَى النَّاسِ بَعْدَهُ.

وَأَمَّا الْعَزِيزُ فَهُوَ إِمَّا الَّذِي لَا يُوجَدُ لَهُ نَظِيرٌ، وَإِمَّا الْغَالِبُ الْقَاهِرُ.

وَأَمَّا الْجَبَّارُ فَفِيهِ وُجُوهٌ أَحَدُهَا: أَنَّهُ فَعَّالٌ مِنْ جَبَرَ إِذَا أَغْنَى الْفَقِيرَ، وَأَصْلَحَ الْكَسِيرَ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ:

وَهُوَ لَعَمْرِي جَابِرُ كُلِّ كَسِيرٍ وَفَقِيرٍ، وَهُوَ جَابِرُ دِينِهِ الَّذِي ارْتَضَاهُ، قَالَ الْعَجَّاجُ:

«قَدْ جَبَرَ الدِّينَ الْإِلَهُ فَجَبَرَ» .

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْجَبَّارُ مِنْ جَبَرَهُ عَلَى كَذَا إِذَا أَكْرَهَهُ عَلَى مَا أَرَادَهُ، قَالَ السُّدِّيُّ: إِنَّهُ الَّذِي يَقْهَرُ النَّاسَ وَيُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا أَرَادَهُ، قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْحِجَازِيِّينَ يَقُولُونَهَا، وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ:

جَبَرَهُ السُّلْطَانُ عَلَى كَذَا بِغَيْرِ ألف. وجعل الفراء الجبار بهذا معنى/ مِنْ أَجْبَرَهُ، وَهِيَ اللُّغَةُ الْمَعْرُوفَةُ فِي الْإِكْرَاهِ، فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ، وَهُمَا جَبَّارٌ مِنْ أَجْبَرَ، وَدَرَّاكٌ مِنْ أَدْرَكَ، وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ الْجَبَّارُ هُوَ الْقَهَّارُ الثَّالِثُ: قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: الْجَبَّارُ فِي صِفَةِ اللَّه الَّذِي لَا يُنَالُ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّخْلَةِ الَّتِي فَاتَتْ يَدَ الْمُتَنَاوِلِ: جَبَّارَةٌ الرَّابِعُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْجَبَّارُ، هُوَ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ، قَالَ الْوَاحِدِيُّ: هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ مَعَانِي الْجَبَّارِ فِي صِفَةِ اللَّه، وَلِلْجَبَّارِ مَعَانٍ فِي صِفَةِ الْخَلْقِ أَحَدُهَا: الْمُسَلَّطُ كَقَوْلِهِ: وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ [ق: 45] ، وَالثَّانِي: الْعَظِيمُ الْجِسْمِ كَقَوْلِهِ: إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ [الْمَائِدَةِ: 22] وَالثَّالِثُ: الْمُتَمَرِّدُ عَنْ عِبَادَةِ اللَّه، كَقَوْلِهِ: وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً [مريم: 32] ، «والرابع: القتال كقوله: بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ [الشعراء: 130]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015