بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم
خمسون وخمس آيات مكية
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الرَّحْمنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (4)
[في قوله تعالى الرَّحْمنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ] اعلم أولا أَنَّ مُنَاسَبَةَ هَذِهِ السُّورَةِ لِمَا قَبْلَهَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ اللَّه تَعَالَى افْتَتَحَ السُّورَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ بِذِكْرِ مُعْجِزَةٍ تَدُلُّ عَلَى الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْهَيْبَةِ وَهُوَ انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، فَإِنَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى شَقِّ الْقَمَرِ يَقْدِرُ عَلَى هَدِّ الْجِبَالِ وَقَدِّ الرِّجَالِ، وَافْتَتَحَ هَذِهِ السُّورَةَ بِذِكْرِ مُعْجِزَةٍ تَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ وَالرَّحَمُوتِ وَهُوَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، فَإِنَّ شِفَاءَ الْقُلُوبِ بِالصَّفَاءِ عَنِ الذُّنُوبِ ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ فِي السُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ: فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ [القمر:
16] غَيْرَ مَرَّةٍ، وَذَكَرَ فِي السُّورَةِ: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرَّحْمَنِ: 13] مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ تِلْكَ السُّورَةَ سُورَةُ إِظْهَارِ الْهَيْبَةِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ سُورَةُ إِظْهَارِ الرَّحْمَةِ، ثُمَّ إِنَّ أول هذه السورة مناسب لآخر ما قبلها حَيْثُ قَالَ فِي آخِرِ تِلْكَ السُّورَةِ: عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [الْقَمَرِ: 55] ، وَالِاقْتِدَارُ إِشَارَةٌ إِلَى الْهَيْبَةِ والعظمة وقال هاهنا: الرَّحْمنُ أَيْ عَزِيزٌ شَدِيدٌ مُنْتَقِمٌ مُقْتَدِرٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُفَّارِ وَالْفُجَّارِ، رَحْمَنٌ مُنْعِمٌ غَافِرٌ لِلْأَبْرَارِ. ثُمَّ فِي التَّفْسِيرِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي لَفْظِ الرَّحْمنُ أَبْحَاثٌ، وَلَا يَتَبَيَّنُ بَعْضُهَا إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ فِي كَلِمَةِ اللَّه فَنَقُولُ:
الْمَبْحَثُ الْأَوَّلُ: مِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّه مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ اسْمُ عَلَمٍ لِمُوجِدِ الْمُمْكِنَاتِ وَعَلَى هَذَا فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الرَّحْمنُ أَيْضًا اسْمُ عَلَمٍ لَهُ وَتَمَسَّكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى [الْإِسْرَاءِ: 110] أَيْ أَيًّا مَا مِنْهُمَا، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ الْقَائِلِ: يَا الرَّحْمَنُ كَمَا يَجُوزُ يَا اللَّه وَتَمَسَّكَ بِالْآيَةِ وَكُلُّ هَذَا ضَعِيفٌ وَبَعْضُهَا أَضْعَفُ مِنْ بَعْضٍ، أَمَّا قَوْلُهُ: اللَّه مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ اسْمُ عَلَمٍ فَفِيهِ بَعْضُ الضَّعْفِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتِ الْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ تُجْعَلَ وَصْلِيَّةً، وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يُقَالَ:
خَلَقَ اللَّه كَمَا يُقَالُ: عَلِمَ أَحْمَدُ وَفَهِمَ إِسْمَاعِيلُ، بَلِ الْحَقُّ فِيهِ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ: إِمَّا أَنْ نَقُولَ: إِلَهٌ أَوْ لَاهٌ اسْمٌ لِمُوجِدِ الْمُمْكِنَاتِ اسْمُ عَلَمٍ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ مَعَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ كَمَا فِي الْفَضْلِ وَالْعَبَّاسِ وَالْحَسَنِ وَالْخَلِيلِ، وَعَلَى هَذَا فَمَنْ