النَّخْلُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْوَاحِدِ، كَالْبَقْلِ وَالنَّمْلِ وَمَعْنَاهُ مَعْنَى الْجَمْعِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: نَخْلٌ مُنْقَعِرٌ وَمُنْقَعِرَةٌ وَمُنْقَعِرَاتٌ، وَنَخْلٌ خَاوٍ وَخَاوِيَةٌ وَخَاوِيَاتٌ وَنَخْلٌ بَاسِقٌ وَبَاسِقَةٌ وَبَاسِقَاتٌ، فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: مُنْقَعِرٌ أَوْ خَاوٍ أَوْ بَاسِقٌ جَرَّدَ النَّظَرَ إِلَى اللَّفْظِ وَلَمْ يُرَاعِ جَانِبَ الْمَعْنَى، وَإِذَا قَالَ: مُنْقَعِرَاتٌ أَوْ خَاوِيَاتٌ أَوْ بَاسِقَاتٌ جَرَّدَ النَّظَرَ إِلَى الْمَعْنَى وَلَمْ يُرَاعِ جَانِبَ اللَّفْظِ، وَإِذَا قَالَ: مُنْقَعِرَةٌ أَوْ خَاوِيَةٌ أَوْ بَاسِقَةٌ جَمَعَ بَيْنَ الِاعْتِبَارَيْنِ مِنْ حَيْثُ وِحْدَةِ اللَّفْظِ، وَرُبَّمَا قَالَ: مُنْقَعِرَةٌ عَلَى الْإِفْرَادِ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ، وَأُلْحِقُ بِهِ تَاءُ التَّأْنِيثِ الَّتِي فِي الْجَمَاعَةِ إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى لَفْظَ النَّخْلِ فِي مَوَاضِعَ ثَلَاثَةٍ، وَوَصَفَهَا عَلَى الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ، فَقَالَ: وَالنَّخْلَ باسِقاتٍ [ق: 10] فَإِنَّهَا حَالٌ مِنْهَا وَهِيَ كَالْوَصْفِ، وَقَالَ: نَخْلٍ خاوِيَةٍ [الْحَاقَّةِ: 7] وَقَالَ: نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ فَحَيْثُ قَالَ: مُنْقَعِرٍ كَانَ الْمُخْتَارُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُنْقَعِرَ فِي حَقِيقَةِ الْأَمْرِ كَالْمَفْعُولِ، لِأَنَّهُ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ القعر فهو مقعور، والخاو وَالْبَاسِقُ فَاعِلٌ وَمَعْنَاهُ إِخْلَاءُ مَا هُوَ مَفْعُولٌ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ أَوَّلًا، كَمَا تَقُولُ: امْرَأَةٌ كَفِيلٌ، وَامْرَأَةٌ كَفِيلَةٌ، وَامْرَأَةٌ كَبِيرٌ، وَامْرَأَةٌ كَبِيرَةٌ. وَأَمَّا الْبَاسِقَاتُ، فَهِيَ فَاعِلَاتٌ حَقِيقَةً، لِأَنَّ الْبُسُوقَ أَمْرٌ قَامَ بِهَا، وَأَمَّا الْخَاوِيَةٌ، فَهِيَ مِنْ بَابِ حُسْنِ الْوَجْهِ، لِأَنَّ الْخَاوِيَ مَوْضِعُهَا، فَكَأَنَّهُ قَالَ: نَخْلٌ خَاوِيَةُ الْمَوَاضِعِ، وَهَذَا غَايَةُ الْإِعْجَازِ حَيْثُ أَتَى بِلَفْظٍ مُنَاسِبٍ لِلْأَلْفَاظِ السَّابِقَةِ وَاللَّاحِقَةِ مِنْ حَيْثُ/ اللَّفْظِ، فَكَانَ الدَّلِيلُ يَقْتَضِي ذَلِكَ، بِخِلَافِ الشَّاعِرِ الَّذِي يَخْتَارُ اللَّفْظَ عَلَى الْمَذْهَبِ الضعيف لأجل الوزن والقافية. ثم قال تعالى:

[سورة القمر (54) : الآيات 21 الى 22]

فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (21) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (22)

وَتَفْسِيرُهُ قَدْ تَقَدَّمَ وَالتَّكْرِيرُ لِلتَّقْرِيرِ، وَفِي قَوْلِهِ: عَذابِي وَنُذُرِ لَطِيفَةٌ مَا ذَكَرْنَاهَا، وَهِيَ تَثْبُتُ بِسُؤَالٍ وَجَوَابٍ لَوْ قَالَ الْقَائِلُ: أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ النُّذُرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ جَمْعُ نَذِيرٍ الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ مَعْنَاهُ إِنْذَارٌ، فَمَا الْحِكْمَةُ فِي تَوْحِيدِ الْعَذَابِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ: فَكَيْفَ كَانَ أَنْوَاعُ عَذَابِي وَوَبَالِ إِنْذَارِي؟ نَقُولُ: فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى غَلَبَةِ الرَّحْمَةِ الْغَضَبَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِنْذَارَ إِشْفَاقٌ وَرَحْمَةٌ، فَقَالَ: الْإِنْذَارَاتُ الَّتِي هِيَ نِعَمٌ وَرَحْمَةٌ تَوَاتَرَتْ، فَلَمَّا لَمْ تَنْفَعْ وَقَعَ الْعَذَابُ دُفْعَةً وَاحِدَةً، فَكَانَتِ النِّعَمُ كَثِيرَةً، وَالنِّقْمَةُ وَاحِدَةً وَسَنُبَيِّنُ هَذَا زِيَادَةَ بَيَانٍ حِينَ نُفَسِّرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ [الرَّحْمَنِ: 13] حَيْثُ جَمَعَ الْآلَاءَ وَكَثُرَ ذِكْرُهَا وَكَرَّرَهَا ثَلَاثِينَ مَرَّةً، ثُمَّ بين الله تعالى حال قوم آخرين. فقال:

[سورة القمر (54) : آية 23]

كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ (23)

وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ غَيْرَ أنه في قصة عاد قال: كَذَّبَتْ [القمر: 18] وَلَمْ يَقُلْ: بِالنُّذُرِ، وَفِي قِصَّةِ نُوحٍ قَالَ: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ «1» [الشعراء: 105] فَنَقُولُ: هَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ المراد بقوله: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ [القمر: 9] أَنَّ عَادَتَهُمْ وَمَذْهَبَهُمْ إِنْكَارُ الرُّسُلِ وَتَكْذِيبُهُمْ فَكَذَّبُوا نُوحًا بِنَاءً عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَإِنَّمَا صَرَّحَ هَاهُنَا لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ يَأْتُونَ بَعْدَ قَوْمٍ وَأَتَاهُمَا رَسُولَانِ فَالْمُكَذِّبُ الْمُتَأَخِّرُ يُكَذِّبُ الْمُرْسَلِينَ جَمِيعًا حَقِيقَةً وَالْأَوَّلُونَ يُكَذِّبُونَ رَسُولًا وَاحِدًا حَقِيقَةً وَيَلْزَمُهُمْ تَكْذِيبُ مَنْ بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا كَذَّبُوا مَنْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: اللَّهُ تَعَالَى وَاحِدٌ، وَالْحَشْرُ كَائِنٌ، وَمَنْ أُرْسِلَ بَعْدَهُ كَذَلِكَ قَوْلُهُ وَمَذْهَبُهُ لَزِمَ مِنْهُ أَنْ يُكَذِّبُوهُ وَيَدُلُّ على هذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015