خَمْسُونَ وَثَلَاثُ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) عسق (2) كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (4)
تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (6)
اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَعْلُومٌ إِلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ سُؤَالَانِ زَائِدَانِ الْأَوَّلُ: أَنْ يُقَالَ إِنَّ هَذِهِ السُّوَرَ السَّبْعَةَ مُصَدَّرَةٌ بِقَوْلِهِ حم فَمَا السَّبَبُ فِي اخْتِصَاصِ هَذِهِ السُّورَةِ بِمَزِيدِ عسق؟ الثَّانِي: أَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُفْصَلُ بَيْنَ كهيعص [مريم: 1] وهاهنا يُفْصَلُ بَيْنَ حم وَبَيْنَ عسق فَمَا السَّبَبُ فِيهِ؟
وَاعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ يَضِيقُ، وَفَتْحُ بَابِ الْمُجَازَفَاتِ مِمَّا لَا سَبِيلَ إِلَيْهِ، فَالْأَوْلَى أَنْ يُفَوَّضَ عِلْمُهَا إِلَى اللَّهِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ حم عسق.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: كَذلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ فَالْكَافُ مَعْنَاهُ الْمِثْلُ وَذَا لِلْإِشَارَةِ إِلَى شَيْءٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: مِثْلُ حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ وَعِنْدَ هَذَا حَصَلَ قَوْلَانِ:
/ الْأَوَّلُ: نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: «لَا نَبِيَّ صَاحِبَ كِتَابٍ إِلَّا وَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْهِ حم عسق» وَهَذَا عِنْدِي بِعِيدٌ.
الثَّانِي: أن يكون المعنى: مثل الكتاب المسمى بحم عسق يُوحِي اللَّهُ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ، وَهَذِهِ الْمُمَاثَلَةُ الْمُرَادُ مِنْهَا الْمُمَاثَلَةُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ وَالنُّبُوَّةِ وَالْمَعَادِ وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِ الدُّنْيَا وَالتَّرْغِيبِ فِي التَّوَجُّهِ إِلَى الْآخِرَةِ، وَالَّذِي يُؤَكِّدُ هَذَا أَنَّا بَيَّنَّا فِي سُورَةِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى [الْأَعْلَى: 1] أَنَّ أَوَّلَهَا فِي تَقْرِيرِ التَّوْحِيدِ، وَأَوْسَطَهَا فِي تَقْرِيرِ النُّبُوَّةِ، وَآخِرَهَا فِي تَقْرِيرِ الْمَعَادِ، وَلَمَّا تَمَّمَ الْكَلَامَ فِي تَقْرِيرِ هَذِهِ الْمَطَالِبِ