ثَمَانُونَ وَخَمْسُ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
حم (1) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (2) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (3) مَا يُجادِلُ فِي آياتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ (4)
كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (5) وَكَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ (6)
[في قوله تعالى حم تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ عَاصِمٌ فِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ وَحَمْزَةَ وَالْكِسَائِيِّ حم بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْحَاءِ، وَنَافِعٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَابْنُ عَامِرٍ بَيْنَ الْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَنْ لَا يَفْتَحَهَا فَتْحًا شَدِيدًا، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَسْكِينِهَا، وَوَجْهُ الْفَتْحِ التَّحْرِيكُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَإِيثَارِ أَخَفِّ الْحَرَكَاتِ نَحْوَ:
أَيْنَ وَكَيْفَ، أَوِ النَّصْبِ بِإِضْمَارِ اقْرَأْ، وَمَنْعُ الصَّرْفِ إِمَّا/ لِلتَّأْنِيثِ وَالتَّعْرِيفِ، مِنْ حَيْثُ أَنَّهَا اسْمٌ لِلسُّورَةِ وَلِلتَّعْرِيفِ، وَأَنَّهَا عَلَى زِنَةِ أَعْجَمِيٍّ نَحْوَ قَابِيلَ وَهَابِيلَ، وَأَمَّا السكون فلأنا بينا أن الأسماء المجردة تُذْكَرُ مَوْقُوفَةَ الْأَوَاخِرِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِي هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَالْأَقْرَبُ هَاهُنَا أَنْ يُقَالَ حم اسْمٌ لِلسُّورَةِ، فَقَوْلُهُ حم مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ خَبَرٌ وَالتَّقْدِيرُ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ الْمُسَمَّاةَ بِحم تَنْزِيلُ الْكِتَابِ، فَقَوْلُهُ تَنْزِيلُ مَصْدَرٌ، لَكِنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْمُنَزَّلُ.