وَالْأَحْكَامِ وَالْأَسْمَاءِ. أَمَّا مَعْرِفَةُ الذَّاتِ فَهِيَ أَنْ يَعْلَمَ وُجُودَ اللَّهِ وَقِدَمَهُ وَبَقَاءَهُ. وَأَمَّا مَعْرِفَةُ الصِّفَاتِ فَهِيَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْهُ، وَهُوَ كَوْنُهُ جَوْهَرًا وَمُرَكَّبًا مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ وَكَوْنُهُ مُخْتَصًّا بِحَيِّزٍ وَجِهَةٍ، وَيَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الدَّالَّةَ عَلَى التَّنْزِيهِ أَرْبَعَةٌ: لَيْسَ وَلَمْ وَمَا وَلَا، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ، مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى لِبَيَانِ التَّنْزِيهِ.
أَمَّا كَلِمَةُ لَيْسَ فَقَوْلُهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشُّورَى: 11] وَأَمَّا كَلِمَةُ لَمْ، فَقَوْلُهُ: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الْإِخْلَاصِ: 3، 4] وَأَمَّا كَلِمَةُ مَا فَقَوْلُهُ: وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مَرْيَمَ: 64] ، مَا كانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ [مَرْيَمَ: 35] وَأَمَّا كَلِمَةُ لَا، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [الْبَقَرَةِ: 255] ، وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ [الْأَنْعَامِ: 14] ، وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ [الْمُؤْمِنُونَ: 88] ، وَقَوْلُهُ فِي سَبْعَةٍ وَثَلَاثِينَ مَوْضِعًا مِنَ الْقُرْآنِ لَا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد: 19] .
وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي: وَهِيَ الصِّفَاتُ الَّتِي يَجِبُ كونه موصوفا بها من القرآن فأولها الْعِلْمُ بِاللَّهِ، وَالْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مُحْدِثًا خَالِقًا، قَالَ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الْأَنْعَامِ: 1] وثانيها: الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ قَادِرًا، قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْقِيَامَةِ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ [الْقِيَامَةِ: 4] وَقَالَ فِي آخِرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى [القيامة: 40] وثالثها: الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ تَعَالَى عَالِمًا، قَالَ تَعَالَى:
هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الحشر: 22] ورابعها: الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ عَالِمًا بِكُلِّ الْمَعْلُومَاتِ، قَالَ تَعَالَى: وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ [الْأَنْعَامِ: 59] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى [الرعد: 8] وخامسها: الْعِلْمُ/ بِكَوْنِهِ حَيًّا، قَالَ تَعَالَى: هُوَ الْحَيُّ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر: 65] وسادسها: الْعِلْمُ بِكَوْنِهِ مُرِيدًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام: 125] وسابعها: كَوْنُهُ سَمِيعًا بَصِيرًا، قَالَ تَعَالَى: وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشُّورَى: 11] وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى [طه: 46] وثامنها: كونه متكلما، قَالَ تَعَالَى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [لقمان: 27] وتاسعها: كَوْنُهُ آمِرًا، قَالَ تَعَالَى: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ [الرُّومِ: 4] وعاشرها: كَوْنُهُ رَحْمَانًا رَحِيمًا مَالِكًا، قَالَ تَعَالَى: الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَةِ: 3، 4] فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِمَعْرِفَةِ الصِّفَاتِ الَّتِي يَجِبُ اتِّصَافُهُ بِهَا.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الْأَفْعَالُ، فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَفْعَالَ إِمَّا أَرْوَاحٌ وَإِمَّا أَجْسَامٌ. أَمَّا الْأَرْوَاحُ فَلَا سَبِيلَ لِلْوُقُوفِ عَلَيْهَا إِلَّا لِلْقَلِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [الْمُدَّثِّرِ: 31] وَأَمَّا الْأَجْسَامُ، فَهِيَ إِمَّا الْعَالَمُ الْأَعْلَى وَإِمَّا الْعَالَمُ الْأَسْفَلُ. أَمَّا الْعَالَمُ الْأَعْلَى فَالْبَحْثُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا: الْبَحْثُ عَنْ أحوال السموات، وَثَانِيهَا: الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ [الْأَعْرَافِ: 54] وَثَالِثُهَا: الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الْأَضْوَاءِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [النُّورِ:
35] وَقَالَ تَعَالَى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً [يُونُسَ: 5] وَرَابِعُهَا: الْبَحْثُ عَنْ أَحْوَالِ الظِّلَالِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً [الْفُرْقَانِ: 45] وَخَامِسُهَا:
اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ [الزمر: 5]