سَبْعُونَ وَخَمْسُ آيَاتٍ مَكِّيَّةٌ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3) لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4)
[في قوله تعالى تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ] اعْلَمْ أَنَّ فِي الْآيَةِ مَسَائِلَ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: ذَكَرَ الْفَرَّاءُ وَالزَّجَّاجُ: فِي رَفْعِ تَنْزِيلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: تَنْزِيلُ مُبْتَدَأً وَقَوْلُهُ: مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ خَبَرٌ وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ، فَيُضْمَرُ الْمُبْتَدَأُ كَقَوْلِهِ:
سُورَةٌ أَنْزَلْناها [النُّورِ: 1] أَيْ هَذِهِ سُورَةٌ، قال بعضهم: الوجه الْأَوَّلِ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنَّ الْإِضْمَارَ خِلَافُ الْأَصْلِ، فَلَا يُصَارُ إِلَيْهِ إِلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هاهنا الثَّانِي: أَنَّا إِذَا قُلْنَا: تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ جُمْلَةٌ تَامَّةٌ مِنَ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ أَفَادَ فَائِدَةً شَرِيفَةً، وَهِيَ أَنَّ تَنْزِيلَ/ الْكِتَابِ يَكُونُ مِنَ اللَّهِ، لَا مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا الْحَصْرُ مَعْنًى مُعْتَبَرٌ، أَمَّا إِذَا أَضْمَرْنَا الْمُبْتَدَأَ لَمْ تَحْصُلْ هَذِهِ الْفَائِدَةُ الثَّالِثُ: أَنَّا إِذَا أَضْمَرْنَا الْمُبْتَدَأَ صَارَ التَّقْدِيرُ هَذَا تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُنَا مَجَازٌ آخَرُ، لِأَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى السُّورَةِ، وَالسُّورَةُ لَيْسَتْ نَفْسَ التَّنْزِيلِ، بَلِ السُّورَةُ مُنَزَّلَةٌ، فَحِينَئِذٍ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ نَقُولَ الْمُرَادُ مِنَ الْمَصْدَرِ الْمَفْعُولُ وَهُوَ مُجَازٌ تَحَمَّلْنَاهُ لَا لِضَرُورَةٍ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْقَائِلُونَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا إِنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الْقُرْآنَ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا وَمُنَزَّلًا، وَهَذَا الْوَصْفُ لَا يَلِيقُ إِلَّا بِالْمُحْدَثِ الْمَخْلُوقِ وَالْجَوَابُ: أَنَّا نَحْمِلُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ عَلَى الصِّيَغِ وَالْحُرُوفِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ تَدُلُّ عَلَى وَصْفِ الْقُرْآنِ بِكَوْنِهِ تَنْزِيلًا وَآيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى كَوْنِهِ مُنَزَّلًا.
أَمَّا الْأَوَّلُ: فَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ [الشُّعَرَاءِ: 192] ، وَقَالَ: تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فُصِّلَتْ: 42] وَقَالَ: حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [فصلت: 1، 2] .