ثَمَانُونَ وَثَمَانِ آيَاتٍ مَكِّيَّةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (?) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (2) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (3)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْكَلَامُ الْمُسْتَقْصَى فِي أَمْثَالِ هَذِهِ الْفَوَاتِحِ مَذْكُورٌ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَالْأَوَّلُ: أَنَّهُ مِفْتَاحُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي أَوَّلُهَا صَادٌ، كَقَوْلِنَا صَادِقُ الْوَعْدِ، صَانِعُ الْمَصْنُوعَاتِ، صَمَدٌ وَالثَّانِي: مَعْنَاهُ صَدَقَ مُحَمَّدٌ فِي كُلِّ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَنِ اللَّهِ الثَّالِثُ: مَعْنَاهُ صَدَّ الْكُفَّارُ عَنْ قَبُولِ هَذَا الدِّينِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ
[النحل: 88] الرَّابِعُ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْقُرْآنَ مُرَكَّبٌ مِنْ هَذِهِ الْحُرُوفِ وَأَنْتُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا وَلَسْتُمْ قَادِرِينَ عَلَى مُعَارَضَةِ الْقُرْآنِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ الْخَامِسُ: أَنْ يَكُونَ صَادِ بِكَسْرِ الدَّالِ مِنَ الْمُصَادَّةِ وَهِيَ الْمُعَارَضَةُ وَمِنْهَا الصَّدَى وَهُوَ مَا يُعَارِضُ صَوْتَكَ فِي الْأَمَاكِنِ الْخَالِيَةِ مِنَ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ، وَمَعْنَاهُ عَارِضِ الْقُرْآنَ بِعَمَلِكَ فَاعْمَلْ بِأَوَامِرِهِ وَانْتَهِ عَنْ نَوَاهِيهِ السَّادِسُ: أَنَّهُ اسْمُ السورة والتقدير هذه صاد، فإن قيل هاهنا إِشْكَالَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْلَهُ: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ قَسَمٌ وَأَيْنَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ؟ وَالثَّانِي: أَنَّ كَلِمَةَ (بَلْ) تَقْتَضِي رَفْعَ حُكْمٍ ثَبَتَ قَبْلَهَا، وَإِثْبَاتَ حُكْمٍ بَعْدَهَا يُنَاقِضُ الْحُكْمَ السَّابِقَ، فَأَيْنَ هَذَا المعنى هاهنا؟ وَالْجَوَابُ: عَنِ الْأَوَّلِ مِنْ وُجُوهٍ الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ مَعْنَى صَادٍ، بِمَعْنَى صَدَقَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَكُونُ صَادٌ هُوَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ، وَقَوْلُهُ:
وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ هُوَ الْقَسَمَ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ مَحْذُوفًا، وَالتَّقْدِيرُ سُورَةُ (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إِنَّهُ لَكَلَامٌ مُعْجِزٌ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ قَوْلَهُ ص تَنْبِيهٌ عَلَى التَّحَدِّي وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ صَادٌ اسْمًا لِلسُّورَةِ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَذِهِ ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَشْهُورُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَّعِي فِي هَذِهِ السُّورَةِ كَوْنَهَا مُعْجِزَةً، كَانَ قَوْلُهُ هَذِهِ ص جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ: هذه هي السورة المعجزة، ونظيره قولك هَذَا حَاتِمٌ وَاللَّهِ، أَيْ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ/ بِالسَّخَاءِ وَالْجَوَابُ: عَنِ السُّؤَالِ الثَّانِي أَنَّ الْحُكْمَ المذكور قبل كلمة بَلِ «1» أما