مائة واثنتان وَثَمَانُونَ آيَةً مَكِّيَّةً بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (1) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (2) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (3) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)
رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَرَبُّ الْمَشارِقِ (5)
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ وَالصَّافَّاتِ صَفًّا بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِيمَا يَلِيهِ، وَكَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ:
فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً وَالْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ، وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: إِدْغَامُ التَّاءِ فِي الصَّادِ حَسَنٌ لِمُقَارَبَةِ الْحَرْفَيْنِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا يُسْمَعَانِ فِي الْهَمْسِ، وَالْمُدْغَمُ فِيهِ يَزِيدُ عَلَى الْمُدْغَمِ بِالْإِطْبَاقِ وَالصَّفِيرِ، وَإِدْغَامُ الْأَنْقَصِ فِي الْأَزْيَدِ حَسَنٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدْغَمَ الْأَزْيَدُ صَوْتًا فِي الْأَنْقَصِ، وَأَيْضًا إِدْغَامُ التَّاءِ فِي الزَّايِ فِي قَوْلِهِ: فَالزَّاجِراتِ زَجْراً حَسَنٌ لِأَنَّ التَّاءَ مَهْمُوسَةٌ وَالزَّايَ مَجْهُورَةٌ وَفِيهَا زِيَادَةُ صَفِيرٍ كَمَا كَانَ فِي الصَّادِ، وَأَيْضًا حَسُنَ إِدْغَامُ التَّاءِ فِي الذَّالِ فِي قَوْلِهِ: فَالتَّالِياتِ ذِكْراً لِاتِّفَاقِهِمَا فِي أَنَّهُمَا مِنْ طَرَفِ اللِّسَانِ وَأُصُولِ الثَّنَايَا، وَأَمَّا مَنْ قَرَأَ بِالْإِظْهَارِ وَتَرَكَ الْإِدْغَامَ فَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْمَخَارِجِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الثَّلَاثَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُقْسَمِ بِهَا يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ صِفَاتٍ ثَلَاثَةً لِمَوْصُوفٍ وَاحِدٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ أَشْيَاءَ ثَلَاثَةً مُتَبَايِنَةً، أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ فَفِيهِ وُجُوهٌ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا صِفَاتُ الْمَلَائِكَةِ، وَتَقْدِيرُهُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَقِفُونَ صُفُوفًا. إِمَّا في السموات لِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ [الصَّافَّاتِ: 165] وَقِيلَ إِنَّهُمْ يَصِفُّونَ أَجْنِحَتَهُمْ فِي الْهَوَاءِ يَقِفُونَ مُنْتَظِرِينَ وُصُولَ أَمْرِ اللَّهِ إِلَيْهِمْ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنْ يُقَالَ مَعْنَى كَوْنِهِمْ صُفُوفًا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَرْتَبَةً مُعَيَّنَةً وَدَرَجَةً مُعَيَّنَةً فِي الشَّرَفِ وَالْفَضِيلَةِ أَوْ فِي الذَّاتِ وَالْعَلِيَّةِ وَتِلْكَ الدَّرَجَةُ الْمُرَتَّبَةُ بَاقِيَةٌ غَيْرُ مُتَغَيِّرَةٍ وَذَلِكَ يُشْبِهُ الصُّفُوفَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: فَالزَّاجِراتِ زَجْراً فَقَالَ اللَّيْثُ يُقَالُ زَجَرْتُ الْبَعِيرَ فَأَنَا أَزْجُرُهُ زَجْرًا إِذَا حَثَثْتَهُ لِيَمْضِيَ، وَزَجَرْتُ فُلَانًا عَنْ سُوءٍ فَانْزَجَرَ أَيْ نَهَيْتُهُ فَانْتَهَى، فَعَلَى هَذَا الزَّجْرِ لِلْبَعِيرِ كَالْحَثِّ وَلِلْإِنْسَانِ/ كَالنَّهْيِ، إِذَا عَرَفْتَ