وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى مَدَحَهُمْ أَوَّلًا بِالْإِيمَانِ ثُمَّ بالطاعات البدنية في قوله: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ ثُمَّ بِالطَّاعَاتِ الْمَالِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ قَالَ الْقَاضِي دَلَّ هَذَا الْمَدْحُ عَلَى أَنَّ الْحَرَامَ لَا يَكُونُ رِزْقًا جَوَابُهُ: أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمُ اسْتَحَقُّوا الْمَدْحَ بِإِنْفَاقِ بَعْضِ مَا كَانَ رِزْقًا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَسْقُطُ اسْتِدْلَالُهُ، ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ اشْتِغَالِهِمْ بِالطَّاعَاتِ وَالْأَفْعَالِ الْحَسَنَةِ بَيَّنَ كَيْفِيَّةَ إِعْرَاضِهِمْ عَنِ الْجُهَّالِ فَقَالَ: وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَاللَّغْوُ مَا حَقُّهُ أَنْ يُلْغَى وَيُتْرَكَ مِنَ الْعَبَثِ وَغَيْرِهِ وَكَانُوا يَسْمَعُونَ ذَلِكَ فَلَا يَخُوضُونَ فِيهِ بَلْ يُعْرِضُونَ عَنْهُ إِعْرَاضًا جَمِيلًا فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ وَمَا أَحْسَنَ مَا قَالَ الْحَسَنُ رَحِمَهُ اللَّه فِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَةَ تَحِيَّةٌ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَامَةُ الِاحْتِمَالِ مِنَ الْجَاهِلِينَ، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الْفُرْقَانِ: 63] ثُمَّ أَكَّدَ تَعَالَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ حَاكِيًا عَنْهُمْ لَا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ وَالْمُرَادُ لَا نُجَازِيهِمْ بِالْبَاطِلِ عَلَى بَاطِلِهِمْ، قَالَ قَوْمٌ نَسَخَ ذَلِكَ بِالْأَمْرِ بِالْقِتَالِ وَهُوَ بَعِيدٌ
لِأَنَّ تَرْكَ الْمُسَافَهَةِ مَنْدُوبٌ، وإن كان القتال واجبا.
بحمد اللَّه تم الجزء الرابع والعشرون، ويليه الجزء الخامس والعشرون وأوله تفسير قوله تعالى: إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ من سورة القصص جمع هذا الجزء والأجزاء الثلاثة قبله وراجعها على أصولها بالمطبعة الأميرية وعلق عليها حضرة الأستاذ عبد اللَّه إسماعيل الصاوي بالإدارة العامة للثقافة بوزارة المعارف.