النوع الأول: ما يتعلق بالسموات وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : الفرق بين أم وأم في أَمَّا يُشْرِكُونَ وأَمَّنْ خَلَقَ أَنَّ الْأُولَى مُتَّصِلَةٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَهَذِهِ مُنْقَطِعَةٌ بِمَعْنَى بَلْ، وَالْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ عَلَيْهِ سُورٌ مِنَ الْإِحْدَاقِ وَهُوَ الْإِحَاطَةُ، وَقِيلَ ذاتَ لِأَنَّ الْمَعْنَى جَمَاعَةُ حَدَائِقِ ذَاتِ بَهْجَةٍ، كَمَا يُقَالُ النِّسَاءُ ذَهَبَتْ/ وَالْبَهْجَةُ الْحُسْنُ، لِأَنَّ الناظر يبتهج به أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ أَغَيْرُهُ يُقْرَنُ بِهِ وَيُجْعَلُ شَرِيكًا لَهُ وَقُرِئَ أَإِلَهًا مَعَ اللَّه بِمَعْنَى (تَدْعُونَ أَوْ تُشْرِكُونَ) «1» .
المسألة الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى بَيَّنَ أَنَّهُ الَّذِي اختص بأن خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَجَعَلَ السَّمَاءَ مَكَانًا لِلْمَاءِ، وَالْأَرْضَ لِلنَّبَاتِ، وَذَكَرَ أَعْظَمَ النِّعَمِ وَهِيَ الْحَدَائِقُ ذَاتُ الْبَهْجَةِ، وَنَبَّهَ تَعَالَى عَلَى أَنَّ هَذَا الْإِنْبَاتَ فِي الْحَدَائِقِ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللَّه تَعَالَى، لِأَنَّ أَحَدَنَا لَوْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمَا احْتَاجَ إِلَى غَرْسٍ وَمُصَابَرَةٍ عَلَى ظُهُورِ الثَّمَرَةِ وَإِذَا كَانَ تَعَالَى هُوَ الْمُخْتَصُّ بِهَذَا الْإِنْعَامِ وَجَبَ أَنْ يُخَصَّ بِالْعِبَادَةِ، ثم قال: بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقِيلَ يَعْدِلُونَ عَنْ هَذَا الْحَقِّ الظَّاهِرِ وَقِيلَ، يَعْدِلُونَ باللَّه سِوَاهُ وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ أَوَّلُ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
المسألة الثَّالِثَةُ: يُقَالُ مَا حِكْمَةُ الِالْتِفَاتِ فِي قَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنا؟ جَوَابُهُ: أَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لِلْعَاقِلِ في أن خالق السموات وَالْأَرْضِ وَمُنْزِلَ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ لَيْسَ إِلَّا اللَّه تَعَالَى، وَرُبَّمَا عَرَضَتِ الشُّبْهَةُ فِي أَنَّ مُنْبِتَ الشَّجَرَةَ هُوَ الْإِنْسَانُ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ يَقُولُ أَنَا الَّذِي أُلْقِي الْبَذْرَ فِي الْأَرْضِ الْحَرَّةِ وَأُسْقِيهَا الْمَاءَ وَأَسْعَى فِي تَشْمِيسِهَا، وَفَاعِلُ السَّبَبِ فَاعِلٌ لِلْمُسَبَّبِ، فَإِذَنْ أَنَا الْمُنْبِتُ لِلشَّجَرَةِ فَلَمَّا كَانَ هَذَا الِاحْتِمَالُ قَائِمًا، لَا جَرَمَ أَزَالَ هَذَا الِاحْتِمَالَ فَرَجَعَ مِنْ لَفْظِ الْغَيْبَةِ إِلَى قَوْلِهِ: فَأَنْبَتْنا وَقَالَ: مَا كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَأْتِي بِالْبَذْرِ وَالسَّقْيِ وَالْكَرَبِ «2» وَالتَّشْمِيسِ ثُمَّ لَا يَأْتِي عَلَى وِفْقِ مُرَادِهِ وَالَّذِي يَقَعُ عَلَى وِفْقِ مُرَادِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ جَاهِلًا بِطَبْعِهِ وَمِقْدَارِهِ وَكَيْفِيَّتِهِ فَكَيْفَ يَكُونُ فَاعِلًا لَهَا، فَلِهَذِهِ النُّكْتَةِ حَسُنَ الِالْتِفَاتُ هاهنا.
أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَجَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَجَعَلَ لَها رَواسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (61)
النوع الثاني- ما يتعلق بالأرض قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» أَمَّنْ جَعَلَ وَمَا بَعْدَهُ بدل من أَمَّنْ خَلَقَ [النمل: 6] فكان (حكمها) «3» حكمه.