عُمُرِكَ
وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو بِسُكُونِ الْمِيمِ سِنِينَ قِيلَ لَبِثَ عِنْدَهُمْ ثَلَاثِينَ سَنَةً وَقِيلَ وَكَزَ الْقِبْطِيَّ وَهُوَ ابْنُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَفَرَّ منهم [على أثرها] «1» واللَّه أَعْلَمُ بِصَحِيحِ ذَلِكَ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ فَعْلَتَكَ بِالْكَسْرِ وَهِيَ قَتْلُهُ الْقِبْطِيَّ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِالْوَكْزِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْقَتْلِ، وَأَمَّا الْفَعْلَةُ فَلِأَنَّهَا [كانت] «2» وَكْزَةٌ وَاحِدَةٌ عَدَّدَ عَلَيْهِ نِعَمَهُ مِنْ تَرْبِيَتِهِ وَتَبْلِيغِهِ مَبْلَغَ الرِّجَالِ وَوَبَّخَهُ بِمَا جَرَى عَلَى يده من قتل خبازه وعظم ذلك [وفظعه] «3» بِقَوْلِهِ: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ فَفِيهِ وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: يَجُوزُ أن يكون حالا أي قتلته وأنت بذلك مِنَ الْكَافِرِينَ بِنِعْمَتِي وَثَانِيهَا: وَأَنْتَ إِذْ ذَاكَ مِمَّنْ تَكْفُرُهُمُ السَّاعَةُ وَقَدِ افْتَرَى عَلَيْهِ أَوْ جَهِلَ أَمْرَهُ لِأَنَّهُ كَانَ (يُعَاشِرُهُمْ) «4» بِالتَّقِيَّةِ فَإِنَّ الْكُفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ النُّبُوَّةِ وثالثها: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ معناه وأنت ممن عادته كفران النعم ومن كان هذا حاله لم يستبعد منه قتل خواص ولي نعمته ورابعها: وَأَنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ بِفِرْعَوْنَ وَإِلَهِيَّتِهِ أَوْ مِنَ الذين [كانوا] «5» يَكْفُرُونَ فِي دِينِهِمْ فَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ آلِهَةٌ يَعْبُدُونَهَا، يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: 127] .
قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ (20) فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ (21) وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ (22)
اعْلَمْ أَنَّ فِرْعَوْنَ لَمَّا ذَكَرَ التَّرْبِيَةَ وَذَكَرَ الْقَتْلَ وَقَدْ كَانَتْ تَرْبِيَتُهُ لَهُ مَعْلُومَةً ظَاهِرَةً، لَا جَرَمَ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا أَنْكَرَهَا، وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِالْجَوَابِ عَنْهَا، لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ فِي الْعُقُولِ أَنَّ الرَّسُولَ إِلَى الْغَيْرِ إِذَا كَانَ مَعَهُ مُعْجِزٌ وَحُجَّةٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ بِأَنْ يَكُونَ الْمُرْسَلُ إِلَيْهِ أَنْعَمَ عَلَيْهِ أَوْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، فَصَارَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ لَمَّا قَالَهُ غَيْرَ مُؤَثِّرٍ الْبَتَّةَ، وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ الْإِعْرَاضُ عَنْهُ أَوْلَى وَلَكِنْ أَجَابَ عَنِ الْقَتْلِ بِمَا لَا شَيْءَ أَبْلَغَ مِنْهُ فِي الْجَوَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ:
فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ وَالْمُرَادُ بِذَلِكَ الذَّاهِلِينَ عن معرفة ما يؤول إِلَيْهِ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ فَعَلَ الْوَكْزَةَ عَلَى وَجْهِ التَّأْدِيبِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ رُبَّمَا/ حَسُنَ وَإِنْ أَدَّى إِلَى الْقَتْلِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ فَعَلَهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَجُوزُ مَعَهُ أَنْ يُؤَاخَذَ بِهِ أَوْ يُعَدَّ مِنْهُ كَافِرًا أَوْ كَافِرًا لِنِعَمِهِ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَالْمُرَادُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَأَنَا ذَاهِلٌ عَنْ كَوْنِهِ مُهْلِكًا وَكَانَ مِنِّي فِي حُكْمِ السَّهْوِ، فَلَمْ أَسْتَحِقَّ التَّخْوِيفَ الَّذِي يُوجِبُ الْفِرَارَ وَمَعَ ذَلِكَ فَرَرْتُ مِنْكُمْ عِنْدَ قَوْلِكُمْ: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [الْقَصَصِ: 20] فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا نِعْمَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي بَابِ تِلْكَ الْفِعْلَةِ، بَلْ بِأَنْ يَكُونَ مُسِيئًا فِيهِ أَقْرَبُ مِنْ حَيْثُ خُوِّفَ تَخْوِيفًا أَوْجَبَ الْفِرَارَ، ثُمَّ بَيَّنَ نِعْمَةَ اللَّه تَعَالَى عَلَيْهِ بَعْدَ الْفِرَارِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أَسَأْتُمْ وَأَحْسَنَ اللَّه إِلَيَّ بِأَنْ وَهَبَ لِي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْحُكْمِ وَالْأَقْرَبُ أَنَّهُ غَيْرُ النُّبُوَّةِ لِأَنَّ الْمَعْطُوفَ غَيْرُ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، وَالنُّبُوَّةُ مَفْهُومَةٌ مِنْ قَوْلِهِ: وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ فَالْمُرَادُ بِالْحُكْمِ الْعِلْمُ وَيَدْخُلُ فِي الْعِلْمِ الْعَقْلُ وَالرَّأْيُ وَالْعِلْمُ بِالدِّينِ الَّذِي هُوَ التَّوْحِيدُ، وَهَذَا أَقْرَبُ لِأَنَّهُ لا يجوز أن