النوع الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، ثُمَّ فِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: قُرِئَ (الرِّيحَ) وَ (الرِّيَاحَ) ، قَالَ الزَّجَّاجُ: وَفِي (نَشْرًا) خَمْسَةُ أَوْجُهٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَبِضَمِّهَا وَبِضَمِّ النُّونِ وَالشِّينِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَعَ أَلِفٍ والمؤنث وبشرا بالتنوين، قال أبو مسلم في قَرَأَ (بُشْرًا) أَرَادَ جَمْعَ بَشِيرٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ [الرُّومِ: 46] وَأَمَّا بِالنُّونِ فَهُوَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ:

وَالنَّاشِراتِ نَشْراً [المرسلات: 3] وَهِيَ الرِّيَاحُ، وَالرَّحْمَةُ الْغَيْثُ وَالْمَاءُ وَالْمَطَرُ.

المسألة الثَّانِيَةُ: قَوْلُهُ: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً نَصٌّ فِي أَنَّهُ تَعَالَى يُنْزِلُ الْمَاءَ مِنَ السَّمَاءِ، لَا مِنَ السَّحَابِ. وَقَوْلُ مَنْ يَقُولُ السَّحَابُ سَمَاءٌ ضَعِيفٌ لِأَنَّ ذَاكَ بِحَسَبِ الِاشْتِقَاقِ، وَأَمَّا بِحَسَبِ وَضْعِ اللُّغَةِ فَالسَّمَاءُ اسْمٌ لِهَذَا السَّقْفِ الْمَعْلُومِ فَصَرْفُهُ عَنْهُ تَرْكٌ لِلظَّاهِرِ.

المسألة الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الطَّهُورَ مَا هُوَ؟ قَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الطَّهُورُ مَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالْفَطُورِ مَا يُفْطَرُ بِهِ، وَالسَّحُورِ مَا يُتَسَحَّرُ بِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ أَيْضًا عَنْ ثَعْلَبٍ، وَأَنْكَرَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» ذَلِكَ، وَقَالَ لَيْسَ فَعُولٌ مِنَ التَّفْعِيلِ فِي شَيْءٍ وَالطَّهُورُ عَلَى وَجْهَيْنِ فِي الْعَرَبِيَّةِ: صِفَةٌ وَاسْمٌ غَيْرُ صِفَةٍ فَالصِّفَةُ قَوْلُكَ: مَاءٌ طَهُورٌ كَقَوْلِكَ طَاهِرٌ، وَالِاسْمُ قَوْلُكَ طَهُورٌ لِمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ كَالْوَضُوءِ وَالْوَقُودِ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَيُوقَدُ بِهِ النَّارُ. حُجَّةُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «التُّرَابُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَلَوْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ حِجَجٍ»

وَلَوْ كَانَ مَعْنَى الطَّهُورِ الطَّاهِرَ لَكَانَ مَعْنَاهُ التُّرَابُ طَاهِرٌ لِلْمُسْلِمِ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ، وَكَذَا

قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعًا»

وَلَوْ كَانَ الطَّهُورُ الطَّاهِرَ لَكَانَ مَعْنَاهُ طَاهِرٌ إِنَاءُ أَحَدِكُمْ وَحِينَئِذٍ لَا يَنْتَظِمُ الْكَلَامُ، وَلِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ:

وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الْأَنْفَالِ: 11] فَبَيَّنَ أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْمَاءِ إِنَّمَا هُوَ التَّطَهُّرُ بِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ كَوْنِهِ طَهُورًا أَنَّهُ هُوَ الْمُطَهَّرُ بِهِ لِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَهُ فِي مَعْرِضِ الْإِنْعَامِ، فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى الْوَصْفِ الْأَكْمَلِ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُطَهِّرَ أَكْمَلُ مِنَ الطَّاهِرِ.

المسألة الرَّابِعَةُ: اعْلَمْ أَنَّ اللَّه تَعَالَى ذَكَرَ مِنْ مَنَافِعِ الْمَاءِ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَتَعَلَّقُ بِالنَّبَاتِ وَالثَّانِي: مَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَيَوَانِ، أَمَّا أَمْرُ النَّبَاتِ فَقَوْلُهُ: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَفِيهِ سُؤَالَاتٌ:

السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لِمَ قَالَ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَلَمْ يَقُلْ مَيْتَةً؟ الْجَوَابُ: لِأَنَّ الْبَلْدَةَ فِي مَعْنَى الْبَلَدِ فِي قَوْلِهِ:

فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ [فَاطِرٍ: 9] .

السُّؤَالُ الثَّانِي: مَا الْمُرَادُ مِنْ حَيَاةِ الْبَلَدِ وَمَوْتِهَا؟ الْجَوَابُ: النَّاسُ يُسَمُّونَ مَا لَا عِمَارَةَ فِيهِ مِنَ الْأَرْضِ مَوَاتًا، وَسَقْيُهَا الْمُقْتَضِي لِعِمَارَتِهَا إِحْيَاءٌ لَهَا.

السُّؤَالُ الثَّالِثُ: أَنَّ جَمَاعَةَ الطَّبَائِعِيِّينَ (?) وَكَذَا الْكَعْبِيُّ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ قَالُوا إِنَّ بِطَبْعِ الْأَرْضِ وَالْمَاءِ وَتَأْثِيرِ الشَّمْسِ فِيهِمَا يَحْصُلُ النَّبَاتُ وَتَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً فَإِنَّ الْبَاءَ فِي (بِهِ) تَقْتَضِي أن للماء

طور بواسطة نورين ميديا © 2015