المسألة الْخَامِسَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنِ الشَّرِيكِ لِقَوْلِهِ: لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْإِلَهِ الثَّانِي، وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عِبَادَةُ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ كَوْكَبًا كَمَا تَقَوَّلَهُ الصَّابِئَةُ أَوْ صَنَمًا كَمَا تَقَوَّلَهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ.

المسألة السَّادِسَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنِ الغيب في قوله: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ ... وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً وَقَدْ وُجِدَ هَذَا الْمُخْبَرُ مُوَافِقًا لِلْخَبَرِ وَمِثْلُ هَذَا الْخَبَرِ مُعْجِزٌ، وَالْمُعْجِزُ دَلِيلُ الصِّدْقِ فَدَلَّ عَلَى صِدْقِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

المسألة السَّابِعَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ الصَّالِحَ خَارِجٌ عَنْ مُسَمَّى الْإِيمَانِ، خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ لِأَنَّهُ عَطَفَ الْعَمَلَ الصالح عن الإيمان والمعطوف عَلَيْهِ.

المسألة الثَّامِنَةُ: دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى إِمَامَةِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الْحَاضِرِينَ فِي زَمَانِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَأَنْ يُمَكِّنَ لَهُمْ دِينَهُمُ الْمَرْضِيَّ وَأَنْ يُبَدِّلَهُمْ بَعْدَ الْخَوْفِ أَمْنًا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْوَعْدِ بَعْدَ الرَّسُولِ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ اسْتِخْلَافَ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَنِ الْمُرَادُ بِهَذَا الِاسْتِخْلَافِ طَرِيقَةُ الْإِمَامَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ بَعْدَ الرَّسُولِ الِاسْتِخْلَافُ الَّذِي هَذَا وَصْفُهُ إِنَّمَا كَانَ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ لِأَنَّ فِي أَيَّامِهِمْ كَانَتِ الْفُتُوحُ الْعَظِيمَةُ وَحَصَلَ التَّمْكِينُ وَظُهُورُ الدِّينِ وَالْأَمْنِ وَلَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِجِهَادِ الْكُفَّارِ لِاشْتِغَالِهِ بِمُحَارَبَةِ مَنْ خَالَفَهُ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ فَثَبَتَ بِهَذَا دَلَالَةُ الْآيَةِ عَلَى صِحَّةِ خِلَافَةِ هَؤُلَاءِ، فَإِنْ قِيلَ الْآيَةُ مَتْرُوكَةُ الظَّاهِرِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي حُصُولَ الْخِلَافَةِ لِكُلِّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَذَلِكَ نَزَلْنَا عَنْهُ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ هُوَ أَنَّهُ تَعَالَى يُسْكِنُهُمُ الْأَرْضَ وَيُمَكِّنُهُمْ مِنَ التَّصَرُّفِ لَا أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ خِلَافَةُ اللَّه تَعَالَى وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَاسْتِخْلَافُ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْإِمَامَةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ فِي حَقِّهِمْ أَيْضًا كَذَلِكَ نَزَلْنَا عنه، لكن هاهنا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى خِلَافَةِ رَسُولِ اللَّه لِأَنَّ مِنْ مَذْهَبِكُمْ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا

وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ أَتْرُكُكُمْ كَمَا تَرَكَكُمْ رَسُولُ اللَّه.

نَزَلْنَا عَنْهُ، لَكِنْ لِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْوَاحِدُ قَدْ يُعَبَّرُ عَنْهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ عَلَى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ [الْقَدْرِ: 1] وَقَالَ فِي حَقِّ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ [الْمَائِدَةِ: 55] نَزَلْنَا عَنْهُ، وَلَكِنْ نَحْمِلُهُ عَلَى الْأَئِمَّةِ الْإِثْنَى عَشَرَ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ فَقَوْلُهُ: مِنْكُمْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْخِطَابِ بَعْضُهُمْ وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّ الِاسْتِخْلَافَ بالمعنى الذي ذكرتموه حاصل لجميع الخلق فالذكور هاهنا فِي مَعْرِضِ الْبِشَارَةِ لَا بُدَّ وَأَنْ يَكُونَ مُغَايِرًا لَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَالَّذِينَ كَانُوا قَبْلَهُمْ كَانُوا خُلَفَاءَ تَارَةً بِسَبَبِ النُّبُوَّةِ وَتَارَةً بِسَبَبِ الْإِمَامَةِ وَالْخِلَافَةُ حَاصِلَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ مَذْهَبِنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا بِالتَّعْيِينِ وَلَكِنَّهُ قَدِ اسْتَخْلَفَ بِذِكْرِ الْوَصْفِ وَالْأَمْرِ بِالِاخْتِيَارِ فَلَا يَمْتَنِعُ فِي هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَنَّهُ تَعَالَى يَسْتَخْلِفُهُمْ وَأَنَّ الرَّسُولَ اسْتَخْلَفَهُمْ، وَعَلَى هَذَا الوجه قَالُوا فِي أَبِي بَكْرٍ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّه، فَالَّذِي قِيلَ إِنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015