حَمَلَهُ عَلَى كُلِّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى صَلَاتَيِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فَقَالَ كَانَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ابْتِدَاءِ الْحَالِ ثُمَّ زِيدَ فِيهِمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى التَّسْبِيحِ الَّذِي هُوَ تَنْزِيهِ اللَّه تَعَالَى عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ فِي ذَاتِهِ وَفِعْلِهِ، وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الصَّلَاةَ وَالزَّكَاةَ قَدْ عَطَفَهُمَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ قَالَ عَنْ ذِكْرِ اللَّه وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَهَذَا الوجه أَظْهَرُ.
المسألة السَّابِعَةُ: الْآصَالُ جمل أصل والأصل جميع أَصِيلٍ وَهُوَ الْعَشِيُّ وَإِنَّمَا وُجِدَ الْغُدُوُّ لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ لَا يُجْمَعُ وَالْأَصِيلُ اسْمُ جَمْعٍ، قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» بِالْغُدُوِّ أَيْ بِأَوْقَاتِ الْغُدُوِّ أَيْ بِالْغَدَوَاتِ وَقُرِئَ وَالْإِيصَالِ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْأَصِيلِ يُقَالُ آصَلَ كَأَعْتَمَ وَأَظْهَرَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَحِمَهُمَا اللَّه إِنَّ صَلَاةَ الضُّحَى لَفِي كِتَابِ اللَّه تَعَالَى مَذْكُورَةٌ وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ
وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ أَحَدٍ يَغْدُو وَيَرُوحُ إِلَى الْمَسْجِدِ يُؤْثِرُهُ عَلَى مَا سِوَاهُ إِلَّا وَلَهُ عِنْدَ اللَّه نُزُلٌ يعد له فِي الْجَنَّةِ»
وَفِي رِوَايَةِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا «مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ لِيُعَلِّمَ خيرا أو ليتعلمه كما كَمَثَلِ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّه يَرْجِعُ غَانِمًا» .
المسألة الثَّامِنَةُ: اخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَفَى كَوْنَهُمْ تُجَّارًا وَبَاعَةً أَصْلًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ بَلْ أَثْبَتَهُمْ تُجَّارًا وَبَاعَةً وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ مَعَ ذَلِكَ لَا يَشْغَلُهُمْ عَنْهَا شَاغِلٌ مِنْ ضُرُوبِ مَنَافِعِ التِّجَارَاتِ، وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، قَالَ الْحَسَنُ أَمَا واللَّه إِنْ كَانُوا لَيَتَّجِرُونَ، وَلَكِنْ إِذَا جَاءَتْ فَرَائِضُ اللَّه لَمْ يُلْهِهِمْ عَنْهَا شَيْءٌ فَقَامُوا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَعَنْ سَالِمٍ نَظَرَ إِلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ تَرَكُوا بِيَاعَاتِهِمْ وَذَهَبُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ هُمُ الَّذِينَ قَالَ تَعَالَى فِيهِمْ: لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَوْلَى مِنَ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ إِنَّ فُلَانًا لَا تُلْهِيهِ التِّجَارَةُ عَنْ كَيْتَ وَكَيْتَ إِلَّا وَهُوَ تَاجِرٌ، وَإِنِ احْتَمَلَ الوجه الأول وهاهنا سُؤَالَاتٌ:
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ: لَمَّا قَالَ: لَا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ دَخَلَ فِيهِ الْبَيْعُ فَلِمَ أَعَادَ ذِكْرَ الْبَيْعِ؟ قُلْنَا الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ التجارة جنس يدخل تحت أَنْوَاعُ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ إِلَّا أَنَّهُ/ سُبْحَانَهُ خَصَّ الْبَيْعَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ فِي الْإِلْهَاءِ أَدْخَلَ، لِأَنَّ الرِّبْحَ الْحَاصِلَ فِي الْبَيْعِ يَقِينٌ نَاجِزٌ، وَالرِّبْحَ الْحَاصِلَ فِي الشِّرَاءِ شَكٌّ مُسْتَقْبَلٌ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ يَقْتَضِي تَبْدِيلَ الْعَرْضِ بِالنَّقْدِ، وَالشِّرَاءِ بِالْعَكْسِ وَالرَّغْبَةِ فِي تَحْصِيلِ النَّقْدِ أَكْثَرَ مِنَ الْعَكْسِ الثَّالِثُ: قَالَ الْفَرَّاءُ:
التِّجَارَةُ لِأَهْلِ الْجَلَبِ، يُقَالُ: اتَّجَرَ فُلَانٌ فِي كَذَا إِذَا جَلَبَهُ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ، وَالْبَيْعُ مَا بَاعَهُ عَلَى يَدَيْهِ.
السُّؤَالُ الثَّانِي: لِمَ خَصَّ الرِّجَالَ بِالذِّكْرِ؟ وَالْجَوَابُ: لِأَنَّ النِّسَاءَ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ التِّجَارَاتِ أَوِ الْجَمَاعَاتِ.
المسألة التَّاسِعَةُ: اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِذِكْرِ اللَّه تَعَالَى، فَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّه تَعَالَى وَالدَّعَوَاتُ، وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ الصَّلَوَاتُ، فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَإِقامِ الصَّلاةِ؟ قُلْنَا عَنْهُ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا الْمُرَادُ بِإِقَامِ الصَّلَاةِ إِقَامَتُهَا لِمَوَاقِيتِهَا وَالثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَإِقامِ الصَّلاةِ تَفْسِيرًا لِذِكْرِ اللَّه فَهُمْ يَذْكُرُونَ اللَّه قَبْلَ الصَّلَاةِ وَفِي الصَّلَاةِ.
المسألة الْعَاشِرَةُ: قَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ [3] فِي قَوْلِهِ: وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ أَنَّ إِقَامَ الصَّلَاةِ هُوَ الْقِيَامُ بِحَقِّهَا عَلَى شُرُوطِهَا، وَالوجه فِي حَذْفِ الْهَاءِ مَا قَالَهُ الزَّجَّاجُ، يُقَالُ أَقَمْتُ الصَّلَاةَ إِقَامَةً وَكَانَ الْأَصْلُ إِقْوَامًا، وَلَكِنْ قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا فَاجْتَمَعَ أَلِفَانِ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَبَقِيَ أَقَمْتُ الصَّلَاةَ إِقَامًا،