كَانَتْ مُضَافَةً إِلَى اتِّبَاعِ الشَّيْطَانِ، وَكَانَ لَا يَصِحُّ الْقَوْلُ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ يُضِلُّهُ بَلْ كَانَ اللَّه تَعَالَى قَدْ أَضَلَّهُ وَالْجَوَابُ:
الْمُعَارَضَةُ بِمَسْأَلَةِ الْعِلْمِ وَبِمَسْأَلَةِ الدَّاعِي.
المسألة الرَّابِعَةُ: قُرِئَ (أَنَّهُ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ فَمَنْ فَتَحَ فَلِأَنَّ الْأَوَّلَ فَاعِلُ كُتِبَ وَالثَّانِي عُطِفَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى حِكَايَةِ الْمَكْتُوبِ كَمَا هُوَ كَأَنَّمَا كُتِبَ عَلَيْهِ هَذَا الْكَلَامُ، كَمَا يَقُولُ كَتَبْتُ أَنَّ اللَّه هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ قِيلَ أَوْ عَلَى أَنَّ كُتِبَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ.
يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ مَا نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5) ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (7)
الْقِرَاءَةُ قَرَأَ الْحَسَنُ مِنَ الْبَعْثِ بِالتَّحْرِيكِ وَنَظِيرُهُ الْحَلَبُ وَالطَّرَدُ فِي الحلب وفي الطرد ومُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ بِجَرِّ التَّاءِ وَالرَّاءِ، وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِنَصْبِهِمَا الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ بِالنُّونِ فِي قَوْلِهِ: لِنُبَيِّنَ وَفِي قَوْلِهِ:
وَنُقِرُّ وَفِي قَوْلِهِ: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالْيَاءِ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالنُّونِ فَفِيهَا وُجُوهٌ:
أَحَدُهَا: الْقِرَاءَةُ الْمَشْهُورَةُ وَثَانِيهَا: رَوَى السِّيرَافِيُّ عَنْ دَاوُدَ عَنْ يَعْقُوبَ (وَنَقُرُّ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَهُوَ مِنْ قَرَّ الْمَاءَ إِذَا صَبَّهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ كَذَلِكَ إِلَّا أَنَّهُ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَثَالِثُهَا: وَنُقِرَّ وَنُخْرِجَكُمْ بِنَصْبِ الرَّاءِ وَالْجِيمِ أَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْيَاءِ فَفِيهَا وُجُوهٌ: أَحَدُهَا: يُقَرَّ وَيُخْرِجَكُمْ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالْجِيمِ وَثَانِيهَا: يُقُرُّ وَيُخْرِجُكُمْ بِضَمِّ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَالْجِيمِ وَثَالِثُهَا: بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ وَضَمِّ الرَّاءِ أَبُو حَاتِمٍ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَتَوَفَّاهُ اللَّه تَعَالَى ابْنُ عَمْرَةَ وَالْأَعْمَشُ الْعُمْرِ بِإِسْكَانِ الْمِيمِ الْقِرَاءَةُ الْمَعْرُوفَةُ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَفِي حَرْفِ عَبْدِ اللَّه وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يَكُونُ شُيُوخًا بِغَيْرِ الْقِرَاءَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَرَبَتْ أَبُو جَعْفَرٍ وَرَبَأَتْ أَيِ ارْتَفَعَتْ، وَرَوَى الْعُمَرِيُّ عَنْهُ بِتَلْيِينِ الْهَمْزَةِ وَقُرِئَ وَأَنَّهُ بَاعِثُ.
الْمَعَانِي: اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا حَكَى عَنْهُمُ الْجِدَالَ بِغَيْرِ الْعِلْمِ فِي إِثْبَاتِ الْحَشْرِ وَالنَّشْرِ وَذَمَّهُمْ عَلَيْهِ فَهُوَ سُبْحَانَهُ أَوْرَدَ الدَّلَالَةَ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الِاسْتِدْلَالُ بِخِلْقَةِ الْحَيَوَانِ أَوَّلًا وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا أَجْمَلَهُ فِي قَوْلِهِ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ [يس: 79] وَقَوْلِهِ: فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ [الْإِسْرَاءِ: 51] فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا وَعَدْنَاكُمْ مِنَ الْبَعْثِ، فَتَذَكَّرُوا فِي خِلْقَتِكُمُ الْأُولَى لِتَعْلَمُوا أَنَّ الْقَادِرَ عَلَى خَلْقِكُمْ أَوَّلًا قَادِرٌ عَلَى خَلْقِكُمْ ثَانِيًا، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ مِنْ مَرَاتِبِ الْخِلْقَةِ الْأُولَى أُمُورًا سَبْعَةً: الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُ: فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: إِنَّا خَلَقْنَا أَصْلَكُمْ وَهُوَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ تُرَابٍ، لِقَوْلِهِ: كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آلِ عِمْرَانَ: 59] وَقَوْلِهِ: مِنْها خَلَقْناكُمْ