عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ»

فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الدُّعَاءِ وَالْآيَاتُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا تَقْتَضِي وُجُوبَ الدُّعَاءِ. وَسَابِعُهَا: أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا تَرَكَ الدُّعَاءَ وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ: «حَسْبِي مِنْ سُؤَالِي عِلْمُهُ بِحَالِي» اسْتَحَقَّ الْمَدْحَ الْعَظِيمَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى تَرْكُ الدُّعَاءِ. وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَيْسَ الْغَرَضُ مِنَ الدُّعَاءِ الْإِعْلَامَ بَلْ هُوَ نَوْعُ تَضَرُّعٍ كَسَائِرِ التَّضَرُّعَاتِ. وَعَنِ الثَّانِي: أَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى أَنْ نَقُولَ لِلْجَائِعِ وَالْعَطْشَانِ إِنْ كَانَ الشِّبَعُ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وإن كان معلوم اللاوقوع فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَعَنِ الثَّالِثِ: أَنَّ الصِّيغَةَ وَإِنْ كَانَتْ صِيغَةَ الْأَمْرِ إِلَّا أَنَّ صُورَةَ التَّضَرُّعِ وَالْخُشُوعِ تَصْرِفُهُ عَنْ ذَلِكَ. وَعَنِ الرَّابِعِ: يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَصْلَحَةً بِشَرْطِ سَبْقِ الدُّعَاءِ. وَعَنِ الْخَامِسِ: أَنَّهُ إِذَا دَعَا إِظْهَارًا لِلتَّضَرُّعِ ثُمَّ رَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّه تَعَالَى فَذَاكَ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ وَهُوَ الْجَوَابُ عَنِ الْبَقِيَّةِ إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَمَرَهُ بِالْعِبَادَةِ وَبِالصَّلَاةِ أَمْرًا وَرَدَ مُجْمَلًا لَا جَرَمَ شَرَعَ فِي أَجَلِّ الْعِبَادَاتِ وَهُوَ الدُّعَاءُ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقْتَصِرْ فِي بَيَانِ فَضْلِ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ يَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ فَقَالَ: فَلَوْلا إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا تَضَرَّعُوا وَلكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ/ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ [الْأَنْعَامِ: 43]

وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ»

وَلَكِنْ يَجْزِمُ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي فَلِهَذَا السِّرِّ جَزَمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالدُّعَاءِ وَقَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: فِي فَضْلِ الدُّعَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غَافِرٍ: 60] وَفِيهِ كَرَامَةٌ عَظِيمَةٌ لِأُمَّتِنَا لِأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَضَّلَهُمُ اللَّه تَفْضِيلًا عَظِيمًا فَقَالَ فِي حَقِّهِمْ: وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ [الْبَقَرَةِ: 47] وَقَالَ أَيْضًا: وَآتاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ [الْمَائِدَةِ: 20] ثُمَّ مَعَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ الْعَظِيمَةِ قَالُوا لِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ: ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا هِيَ [الْبَقَرَةِ: 68] وَأَنَّ الْحَوَارِيِّينَ مَعَ جَلَالَتِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ: نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ [آلِ عِمْرَانَ: 52] سَأَلُوا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُمْ مَائِدَةً تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَ هَذِهِ الْوَاسِطَةَ فِي أُمَّتِنَا فَقَالَ مُخَاطِبًا لَهُمْ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وقال: وَسْئَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ [النِّسَاءِ: 32] فَلِهَذَا السَّبَبِ لَمَّا حَصَلَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ عَرَفَهَا لَا جَرَمَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» فَلَا جَرَمَ رَفَعَ يَدَيْهِ ابْتِدَاءً فَقَالَ:

رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ [الْبَقَرَةِ: 186] ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ الْعِبَادَ عَلَى سَبْعَةِ أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا: عَبْدُ الْعِصْمَةِ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الْحِجْرِ: 42] وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَخْصُوصًا بِمَزِيدِ الْعِصْمَةِ: وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي [طه: 41] فَلَا جَرَمَ طَلَبَ زَوَائِدَ الْعِصْمَةِ فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَثَانِيهَا: عَبْدُ الصَّفْوَةِ: وَسَلامٌ عَلى عِبادِهِ الَّذِينَ اصْطَفى [النَّمْلِ: 59] وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَخْصُوصًا بِمَزِيدِ الصَّفْوَةِ: يَا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي [الْأَعْرَافِ: 144] فَلَا جَرَمَ أَرَادَ مَزِيدَ الصَّفْوَةِ فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وَثَالِثُهَا:

عَبْدُ الْبِشَارَةِ: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزُّمَرِ: 17، 18] وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ: وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى [طه: 13] فَأَرَادَ مَزِيدَ الْبِشَارَةِ فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. ورابعها: عبد الكرامة: يا عِبادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ [الزُّخْرُفِ: 68] وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ: لَا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما [طه: 46] فَأَرَادَ الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.

وَخَامِسُهَا: عَبْدُ الْمَغْفِرَةِ: نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الْحِجْرِ: 49] ، وَكَانَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْصُوصًا بِذَلِكَ: رَبِّ اغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [ص: 35] فَأَرَادَ الزِّيَادَةَ فَقَالَ: رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015