أَمَعَ الْخَوْفِ أَوْ بِدُونِهِ. وَالْجَوَابُ:

رُوِيَ مَعَ الْخَوْفِ

وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ، لِأَنَّ بَعْدَ تَوَالِي الدَّلَائِلِ يَبْعُدُ ذَلِكَ. وَإِذَا عَلِمَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ تَعَالَى عِنْدَ الْأَخْذِ سَيُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى فَكَيْفَ يَسْتَمِرُّ خَوْفُهُ، وَقَدْ عَلِمَ صِدْقَ هَذَا الْقَوْلِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمَّا قَالَ لَهُ رَبُّهُ: لا تَخَفْ بَلَغَ مِنْ ذَلِكَ ذَهَابُ خَوْفِهِ وَطُمَأْنِينَةُ نَفْسِهِ إِلَى أَنْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي فَمِهَا وَأَخَذَ بِلَحْيَيْهَا. السُّؤَالُ الرَّابِعُ: مَا مَعْنَى سِيرَتَهَا الْأُولَى، وَالْجَوَابُ: قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : السِّيرَةُ مِنَ السَّيْرِ كَالرُّكْبَةِ مِنَ الرُّكُوبِ يُقَالُ: سَارَ فُلَانٌ سِيرَةً حَسَنَةً ثُمَّ اتُّسِعَ فِيهَا فَنُقِلَتْ إِلَى مَعْنَى الْمَذْهَبِ وَالطَّرِيقَةِ. السُّؤَالُ الْخَامِسُ: عَلَامَ انْتَصَبَ سِيرَتَهَا، الْجَوَابُ فِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: بِنَزْعِ الْخَافِضِ يَعْنِي إِلَى سِيرَتِهَا. وَثَانِيهِمَا: أَنْ يَكُونَ سَنُعِيدُهَا مستقلا بنفسه غير متعلق بسيرتها بِمَعْنَى أَنَّهَا كَانَتْ أَوَّلًا عَصًا فَصَارَتْ حَيَّةً فَسَنَجْعَلُهَا عَصًا كَمَا كَانَتْ فَنُصِبَ سِيرَتَهَا بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ أَيْ تَسِيرُ سِيرَتَهَا الْأُولَى يَعْنِي سَنُعِيدُهَا سَائِرَةً بِسِيرَتِهَا الْأُولَى حَيْثُ كُنْتَ تَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا ولك فيها المآرب التي عرفتها.

[سورة طه (20) : الآيات 22 الى 24]

وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى (22) لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى (23) اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى (24)

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُعْجِزَةُ الثَّانِيَةُ وَفِيهِ مَسَائِلُ:

المسألة الأولى: يقال لك نَاحِيَتَيْنِ جَنَاحَانِ كَجَنَاحَيِ الْعَسْكَرِ لِطَرَفَيْهِ وَجَنَاحَا الْإِنْسَانِ جَنْبَاهُ وَالْأَصْلُ الْمُسْتَعَارُ مِنْهُ جَنَاحَا الطَّائِرِ لِأَنَّهُ يَجْنَحُهُمَا عِنْدَ الطَّيَرَانِ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا إِلَى جَنَاحِكَ إِلَى صَدْرِكَ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّ يَدَيِ الْإِنْسَانِ يُشْبِهَانِ جَنَاحَيِ الطَّائِرِ لِأَنَّهُ قَالَ: تَخْرُجْ بَيْضاءَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِالْجَنَاحِ الصَّدْرَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: تَخْرُجْ مَعْنًى وَاعْلَمْ أَنَّ مَعْنَى ضَمِّ الْيَدِ إِلَى الْجَنَاحِ مَا قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ [النَّمْلِ: 12] لِأَنَّهُ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِهِ كَانَ قَدْ ضَمَّ يَدَهُ إِلَى جَنَاحِهِ واللَّه أَعْلَمُ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: السُّوءُ الرَّدَاءَةُ وَالْقُبْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَكَنَّى بِهِ عَنِ الْبَرَصِ كَمَا كَنَّى عَنِ الْعَوْرَةِ بِالسَّوْأَةِ وَالْبَرَصُ أَبْغَضُ شَيْءٍ إِلَى الْعَرَبِ فَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يُكَنَّى عَنْهُ

يُرْوَى أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ شَدِيدَ الْأُدْمَةِ فَكَانَ إِذَا أَدْخَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى فِي جَيْبِهِ وَأَدْخَلَهَا تَحْتَ إِبِطِهِ الْأَيْسَرِ وَأَخْرَجَهَا كَانَتْ تَبْرُقُ مِثْلَ الْبَرْقِ وَقِيلَ مِثْلَ الشَّمْسِ مِنْ غَيْرِ بَرَصٍ ثُمَّ إِذَا رَدَّهَا عَادَتْ إِلَى لَوْنِهَا الْأَوَّلِ بِلَا نُورٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثالثة: بيضاء وآية حالان معا ومن غَيْرِ سُوءٍ مِنْ صِلَةُ الْبَيْضَاءِ كَمَا تَقُولُ ابْيَضَّتْ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَفِي نَصْبِ آيَةً وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِإِضْمَارٍ نَحْوَ خُذْ وَدُونَكَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ حُذِفَ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ، وَقَدْ تَعَلَّقَ بِهَذَا الْمَحْذُوفِ لِنُرِيَكَ أَيْ خُذْ هَذِهِ الْآيَةَ أَيْضًا بَعْدَ قَلْبِ الْعَصَا لِنُرِيَكَ بِهَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ بَعْضَ آيَاتِنَا الْكُبْرَى أَوْ لِنُرِيَكَ بِهِمَا الْكُبْرَى مِنْ آيَاتِنَا أَوْ لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى فِعْلَنَا ذَلِكَ، فَإِنْ قِيلَ الْكُبْرَى مِنْ نَعْتِ الْآيَاتِ فَلِمَ لَمْ يَقُلِ الْكُبَرَ؟

قُلْنَا: بَلْ هِيَ نَعْتُ الْآيَةِ وَالْمَعْنَى لِنُرِيَكَ الْآيَةَ الْكُبْرَى وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَهُوَ كما قدمنا في قوله: مَآرِبُ أُخْرى [طه: 18] ، والْأَسْماءُ الْحُسْنى [طه: 8] .

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: قَالَ الْحَسَنُ: الْيَدُ أَعْظَمُ فِي الْإِعْجَازِ مِنَ الْعَصَا لِأَنَّهُ تَعَالَى: ذَكَرَ لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى عَقِيبَ ذِكْرِ الْيَدِ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْيَدِ إِلَّا تَغَيُّرُ اللَّوْنِ، وَأَمَّا الْعَصَا فَفِيهِ تَغَيُّرُ اللَّوْنِ وَخَلْقُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015