لَوَازِمِ ذَاتِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالْحُدُوثِ أَوِ الْإِمْكَانِ وَالْعَبْدُ لَا يُشَارِكُ الرَّبَّ إِلَّا فِي السُّدُسِ الْأَوَّلِ (?) وَهُوَ أَصْلُ الْعِلْمِ ثُمَّ هَذَا السُّدُسُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عِبَادِهِ أَيْضًا نِصْفَانِ فَخَمْسَةُ دَوَانِيقَ وَنِصْفُ جُزْءٍ مِنَ الْعِلْمِ مُسَلَّمٌ لَهُ وَالنِّصْفُ الْوَاحِدُ لِجُمْلَةِ عِبَادِهِ، ثُمَّ هَذَا الْجُزْءُ الْوَاحِدُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ الْكَرُوبِيَّةِ وَالْمَلَائِكَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَحَمَلَةِ/ الْعَرْشِ وسكان السموات وَمَلَائِكَةِ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةِ الْعَذَابِ وَكَذَا جَمِيعُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ آدَمُ وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَكَذَا جَمِيعُ الْخَلَائِقِ كُلِّهِمْ فِي عُلُومِهِمُ الضَّرُورِيَّةِ وَالْكَسْبِيَّةِ وَالْحِرَفِ وَالصِّنَاعَاتِ وَجَمِيعُ الْحَيَوَانَاتِ فِي إِدْرَاكَاتِهَا وَشُعُورَاتِهَا وَالِاهْتِدَاءِ إِلَى مَصَالِحِهَا فِي أَغْذِيَتِهَا وَمَضَارِّهَا وَمَنَافِعِهَا، وَالْحَاصِلُ لَكَ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ أَقَلُّ مِنَ الذَّرَّةِ الْمُؤَلَّفَةِ، ثُمَّ إِنَّكَ بِتِلْكَ الذَّرَّةِ عَرَفْتَ أَسْرَارَ إِلَهِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِ الْوَاجِبَةَ وَالْجَائِزَةَ وَالْمُسْتَحِيلَةَ. فَإِذَا كُنْتَ بِهَذِهِ الذَّرَّةِ عَرَفْتَ هَذِهِ الْأَسْرَارَ فَكَيْفَ يَكُونُ عِلْمُهُ بِخَمْسِ دَوَانِيقَ وَنِصْفٍ. أَفَلَا يَعْلَمُ بِذَلِكَ الْعِلْمِ أَسْرَارَ عُبُودِيَّتِكَ؟ فَهَذَا تَحْقِيقُ قَوْلِهِ: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى بَلِ الْحَقُّ أَنَّ الدِّينَارَ بِتَمَامِهِ لَهُ، لِأَنَّ الَّذِي عَلِمْتَهُ فَإِنَّمَا عَلِمْتَهُ بِتَعْلِيمِهِ عَلَى مَا قَالَ: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النِّسَاءِ: 166] وَقَالَ: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الْمُلْكِ: 14] وَلِهَذَا مِثَالٌ وَهُوَ الشَّمْسُ فَإِنَّ ضَوْءُهَا يَجْعَلُ الْعَالَمَ مُضِيئًا، وَلَا يَنْتَقِصُ الْبَتَّةَ مِنْ ضوئها شيء، فكذا هاهنا فَكَيْفَ لَا يَكُونُ عَالِمًا بِالسِّرِّ وَالْأَخْفَى، فَإِنَّ مِنْ تَدْبِيرَاتِهِ فِي خَلْقِ الْأَشْجَارِ وَأَنْوَاعِ النَّبَاتِ أَنَّهَا لَيْسَ لَهَا فَمٌ وَلَا سَائِرُ آلَاتِ الْغِذَاءِ فَلَا جَرَمَ أُصُولُهَا مَرْكُوزَةٌ فِي الْأَرْضِ تَمْتَصُّ بِهَا الْغِذَاءَ فَيَتَأَدَّى ذَلِكَ الْغِذَاءُ إِلَى الْأَغْصَانِ وَمِنْهَا إِلَى الْعُرُوقِ وَمِنْهَا إِلَى الْأَوْرَاقِ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى جَعَلَ عُرُوقَهَا كَالْأَطْنَابِ الَّتِي بِهَا يُمْكِنُ ضَرْبُ الْخِيَامِ. وَكَمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَدِّ الطُّنُبِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِتَبْقَى الْخَيْمَةُ وَاقِفَةً، كَذَلِكَ الْعُرُوقُ تَذْهَبُ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ لِتَبْقَى الشَّجَرَةُ وَاقِفَةً، ثُمَّ لَوْ نَظَرْتَ إِلَى كُلِّ وَرَقَةٍ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعُرُوقِ الدَّقِيقَةِ الْمَبْثُوثَةِ فِيهَا لِيَصِلَ الْغِذَاءُ مِنْهَا إِلَى كُلِّ جَانِبٍ مِنَ الْوَرَقَةِ لِيَكُونَ ذَلِكَ تَقْوِيَةً لِجِرْمِ الْوَرَقَةِ فَلَا يَتَمَزَّقُ سَرِيعًا، وَهِيَ شِبْهُ الْعُرُوقِ الْمَخْلُوقَةِ فِي بَدَنِ الْحَيَوَانِ لِتَكُونَ مَسَالِكَ لِلدَّمِ وَالرُّوحِ فَتَكُونَ مُقَوِّيَةً لِلْبَدَنِ، ثُمَّ انْظُرْ إِلَى الْأَشْجَارِ فَإِنَّ أَحْسَنَهَا فِي الْمَنْظَرِ الدُّلْبُ وَالْخِلَافُ، وَلَا حَاصِلَ لَهُمَا، وَأَقْبَحَهَا شَجَرَةُ التِّينِ وَالْعِنَبِ، وَ [لَكِنْ] انْظُرْ إِلَى مَنْفَعَتِهِمَا، فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ وَأَشْبَاهُهَا تُظْهِرُ أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السموات وَلَا فِي الْأَرْضِ.
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَالْكَلَامُ فِيهِ عَلَى قِسْمَيْنِ: الْأَوَّلُ: فِي التَّوْحِيدِ اعْلَمْ أَنَّ دَلَائِلَ التَّوْحِيدِ سَتَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّه فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الْأَنْبِيَاءِ: 22] وَإِنَّمَا ذكره هاهنا لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمَوْصُوفَ بِالْقُدْرَةِ وَبِالْعِلْمِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَقَدَّمَ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ الذي يستحق العبادة دون غيره، ولنذكر هاهنا نُكَتًا مُتَعَلِّقَةً بِهَذَا الْبَابِ وَهِيَ أَبْحَاثٌ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: اعْلَمْ أَنَّ مَرَاتِبَ التَّوْحِيدِ أَرْبَعٌ: أَحَدُهَا: الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ. وَالثَّانِي: الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ.
وَالثَّالِثُ: تَأْكِيدُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادِ بِالْحُجَّةِ. وَالرَّابِعُ: أَنْ يَصِيرَ الْعَبْدُ مَغْمُورًا فِي بَحْرِ التَّوْحِيدِ بِحَيْثُ لَا يَدُورُ فِي خَاطِرِهِ شَيْءٌ غَيْرُ عِرْفَانِ الْأَحَدِ الصَّمَدِ. أَمَّا الْإِقْرَارُ بِاللِّسَانِ فَإِنْ وُجِدَ خَالِيًا عَنِ الِاعْتِقَادِ بِالْقَلْبِ فَذَلِكَ هُوَ الْمُنَافِقُ، وَأَمَّا الِاعْتِقَادُ بِالْقَلْبِ إِذَا وُجِدَ خَالِيًا عَنِ الْإِقْرَارِ بِاللِّسَانِ فَفِيهِ صُوَرٌ. الصُّورَةُ الْأُولَى: أَنَّ مَنْ نَظَرَ وَعَرَفَ اللَّه تَعَالَى وَكَمَا عَرَفَهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقْتِ مَا يُمْكِنُهُ التَّلَفُّظُ بِكَلِمَةِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ قَوْمٌ إِنَّهُ لَا يَتِمُّ إِيمَانُهُ وَالْحَقُّ أَنَّهُ يَتِمُّ لِأَنَّهُ أَدَّى مَا كُلِّفَ بِهِ وَعَجَزَ عَنِ التَّلَفُّظِ بِهِ فَلَا يَبْقَى مُخَاطَبًا، وَرَأَيْتُ فِي [بَعْضِ] الْكُتُبِ أن