كَانَ هُوَ الْمَسْجُودَ لَهُ أَوْ يُقَالُ كَانَ الْمَسْجُودُ لَهُ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى وَآدَمُ كَانَ قِبْلَةً لِلسُّجُودِ؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّ إِبْلِيسَ هَلْ هُوَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَمْ لَا؟ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَأَمْرُ الْمَلَائِكَةِ بِالسُّجُودِ كَيْفَ يَتَنَاوَلُهُ؟
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: هَلْ كَانَ إِبْلِيسُ كَافِرًا مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ أَوْ يُقَالُ إِنَّمَا كَفَرَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ؟
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: الْمَلَائِكَةُ سَجَدُوا لِآدَمَ مِنْ أَوَّلِ مَا كَمُلَتْ حَيَاتُهُ أَوْ بَعْدِ ذَلِكَ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: شُبْهَةُ إِبْلِيسَ فِي الِامْتِنَاعِ مِنَ السُّجُودِ أَهْوَ قَوْلُهُ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً أَوْ غَيْرُهُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَاتُ عَلَى أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ عَارِفًا بِرَبِّهِ، إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْكُفْرِ بِسَبَبِ الْكِبْرِ وَالْحَسَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ وَقَالَ مَا عَرَفَ اللَّهَ الْبَتَّةَ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: مَا سَبَبُ حِكْمَةِ إِمْهَالِ إِبْلِيسَ وَتَسْلِيطِهِ عَلَى الْخَلْقِ بِالْوَسْوَسَةِ؟
وَلْنَرْجِعْ إِلَى التَّفْسِيرِ فَنَقُولُ: إِنَّهُ تَعَالَى حَكَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَنْ إِبْلِيسَ نَوْعًا وَاحِدًا مِنَ الْعَمَلِ وَنَوْعَيْنِ مِنَ الْقَوْلِ، أَمَّا الْعَمَلُ فَهُوَ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ لِآدَمَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ: فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ وَأَمَّا النَّوْعَانِ مِنَ الْقَوْلِ؟
فَأَوَّلُهُمَا: قَوْلُهُ: أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ بِمَعْنَى الْإِنْكَارِ مَعْنَاهُ أَنَّ أَصْلِي أَشْرَفُ مِنْ أَصْلِهِ فَوَجَبَ أَنْ أَكُونَ أَنَا أَشْرَفُ مِنْهُ، وَالْأَشْرَفُ يَقْبُحُ فِي الْعُقُولِ أَمْرُهُ بِخِدْمَةِ الْأَدْنَى. وَالنَّوْعُ الثَّانِي: مِنْ كَلَامِهِ: قَوْلُهُ:
أَرَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ قَالَ الزَّجَّاجُ: قَوْلُهُ: أَرَأَيْتَكَ مَعْنَاهُ أَخْبِرْنِي، وَقَدِ اسْتَقْصَيْنَا فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ. وَقَوْلُهُ: هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ فِيهِ وُجُوهٌ. الْأَوَّلُ: مَعْنَاهُ: أَخْبِرْنِي عَنْ هَذَا الَّذِي فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ لِمَ فَضَّلْتَهُ عَلَيَّ وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ؟ ثُمَّ اخْتَصَرَ الْكَلَامَ لِكَوْنِهِ مَفْهُومًا. الثَّانِي: يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هَذَا مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ مِنْهُ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ، وَالَّذِي مَعَ صِلَتِهِ خَبَرٌ، تَقْدِيرُهُ أَخْبِرْنِي أَهَذَا الَّذِي كَرَّمْتَهُ عَلَيَّ! وَذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِصْغَارِ وَالِاسْتِحْقَارِ، وَإِنَّمَا حُذِفَ حَرْفُ الِاسْتِفْهَامِ لِأَنَّ حُصُولَهُ فِي قَوْلِهِ/ أَرَأَيْتَكَ أَغْنَى عَنْ تَكْرَارِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ هذَا مَفْعُولُ أَرَأَيْتَ لِأَنَّ الْكَافَ جَاءَتْ لِمُجَرَّدِ الْخِطَابِ لَا مَحَلَّ لَهَا، كَأَنَّهُ قَالَ عَلَى وَجْهِ التَّعَجُّبِ وَالْإِنْكَارِ أَبْصَرْتَ أَوْ عَلِمْتَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ، بِمَعْنَى لَوْ أَبْصَرْتَهُ أَوْ عَلِمْتَهُ لَكَانَ يَجِبُ أَنْ لَا تُكَرِّمَهُ عَلَيَّ، هَذَا هُوَ حَقِيقَةُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً [عَنْهُ] لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا وَفِيهِ مَبَاحِثُ:
الْبَحْثُ الْأَوَّلُ: قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِي الْوَصْلِ وَالْوَقْفِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ بِالْحَذْفِ وَنَافِعٌ وَأَبُو عَمْرٍو بِإِثْبَاتِهِ فِي الْوَصْلِ دُونَ الْوَقْفِ.
الْبَحْثُ الثَّانِي: فِي الِاحْتِنَاكِ قَوْلَانِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنِ الْأَخْذِ بِالْكُلِّيَّةِ، يُقَالُ: احْتَنَكَ فُلَانٌ مَا عِنْدَ فُلَانٍ مِنْ مَالٍ إِذَا اسْتَقْصَاهُ وَأَخَذَهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاحْتَنَكَ الْجَرَادُ الزَّرْعَ إِذَا أَكَلَهُ بِالْكُلِّيَّةِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ حَنَّكَ الدَّابَّةَ يُحَنِّكُهَا، إِذَا جَعَلَ فِي حَنَكِهَا الْأَسْفَلِ حَبْلًا يَقُودُهَا بِهِ، وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: الِاحْتِنَاكُ افْتِعَالٌ مِنَ الْحَنَكِ كَأَنَّهُمْ يَمْلِكُهُمْ كَمَا يَمْلِكُ الْفَارِسُ فَرَسَهُ بِلِجَامِهِ. فَعَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَعْنَى الْآيَةِ لَأَسْتَأْصِلَنَّهُمْ بِالْإِغْوَاءِ. وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي لَأَقُودَنَّهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي كَمَا تُقَادُ الدَّابَّةُ بِحَبْلِهَا.
الْبَحْثُ الثَّالِثُ: قَوْلُهُ: إِلَّا قَلِيلًا هُمُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ