بِالْقِيَاسِ كَانَ رَجِيمًا مَلْعُونًا. وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَعْنَى ذَكَرْنَاهُ مُسْتَقْصًى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ، وَقَوْلُهُ: فَاخْرُجْ مِنْها قِيلَ الْمُرَادُ مِنْ جَنَّةِ عدن، وقيل من السموات، وَقِيلَ مِنْ زُمْرَةِ الْمَلَائِكَةِ، وَتَمَامُ هَذَا الْكَلَامِ مَعَ تَفْسِيرِ الرَّجِيمِ قَدْ سَبَقَ ذِكْرُهُ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ وَقَوْلُهُ: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُرِيدُ يَوْمَ الْجَزَاءِ حَيْثُ يُجَازِي الْعِبَادَ بِأَعْمَالِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِ: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الْفَاتِحَةِ: 4] .

فَإِنْ قِيلَ: كَلِمَةُ (إِلَى) تُفِيدُ انْتِهَاءَ الْغَايَةِ فَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ اللَّعْنَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَعِنْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ يَزُولُ اللَّعْنُ.

أَجَابُوا عَنْهُ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: الْمُرَادُ مِنْهُ التَّأْبِيدُ، وَذِكْرُ الْقِيَامَةِ أَبْعَدُ غَايَةٍ يَذْكُرُهَا النَّاسُ/ فِي كَلَامِهِمْ كَقَوْلِهِمْ: مَا دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [هُودٍ: 107] فِي التَّأْبِيدِ. وَالثَّانِي: أَنَّكَ مَذْمُومٌ مَدْعُوٌّ عَلَيْكَ بِاللَّعْنَةِ في السموات وَالْأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُعَذَّبَ فَإِذَا جَاءَ ذَلِكَ الْيَوْمَ عُذِّبَ عَذَابًا يَنْسَى اللَّعْنَ مَعَهُ فَيَصِيرُ اللَّعْنُ حِينَئِذٍ كَالزَّائِلِ بسبب أن شدة العذاب تذهل عنه.

[سورة الحجر (15) : الآيات 36 الى 41]

قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلاَّ عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40)

قالَ هذا صِراطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)

[في قَوْلُهُ تَعَالَى قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ] فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

المسألة الْأُولَى: قَوْلُهُ: فَأَنْظِرْنِي مُتَعَلِّقٌ بِمَا تَقَدَّمَ وَالتَّقْدِيرُ: إِذَا جَعَلْتَنِي رَجِيمًا مَلْعُونًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ فَأَنْظِرْنِي فَطَلَبَ الْإِبْقَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ الْآخِرَةِ إِلَى وَقْتِ قِيَامِ الْقِيَامَةِ. لِأَنَّ قَوْلَهُ: إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ يَوْمُ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَقَوْلُهُ: فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ اعْلَمْ أَنَّ إِبْلِيسَ اسْتَنْظَرَ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ وَالْقِيَامَةِ، وَغَرَضُهُ مِنْهُ أَنْ لَا يَمُوتَ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ لَا يَمُوتُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَعْدَ قِيَامِ الْقِيَامَةِ لَا يَمُوتُ أَحَدٌ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَمُوتَ الْبَتَّةَ. ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُ عَنْ هَذَا الْمَطْلُوبِ وَقَالَ:

فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنْهُ عَلَى وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ وَقْتُ النَّفْخَةِ الْأَوْلَى حِينَ يَمُوتُ كُلُّ الْخَلَائِقِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ هَذَا الْوَقْتُ بِالْوَقْتِ الْمَعْلُومِ لِأَنَّ مِنَ الْمَعْلُومِ أَنْ يَمُوتَ كُلُّ الْخَلَائِقِ فِيهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا الِاسْمِ، لِأَنَّ الْعَالِمَ بِذَلِكَ الْوَقْتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى لَا غَيْرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الْأَعْرَافِ: 187] وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [لُقْمَانَ: 34] . وَثَانِيهَا: أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ إِبْلِيسُ وَهُوَ قَوْلُهُ:

إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ وَإِنَّمَا سَمَّاهُ تَعَالَى بِيَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ؟ لِأَنَّ إِبْلِيسَ لَمَّا عَيَّنَهُ وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ صَارَ ذَلِكَ كَالْمَعْلُومِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015