الجزء الرابع عشر

[تتمة سورة الأنعام]

بسم الله الرحمن الرحيم

[سورة الأنعام (6) : آية 153]

وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153)

فِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَأَنَّ هَذَا بِفَتْحِ الْأَلِفِ وَسُكُونِ النُّونِ وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَإِنَّ بِكَسْرِ الْأَلِفِ وَتَشْدِيدِ النُّونِ أَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ فَأَصْلُهَا وَإِنَّهُ هَذَا صِرَاطِي وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْحَدِيثِ وَعَلَى هَذَا الشَّرْطِ تُخَفَّفُ. قَالَ الْأَعْشَى:

فِي فِتْيَةٍ كَسُيُوفِ الْهِنْدِ قَدْ عَلِمُوا ... أَنْ هَالِكٌ كُلُّ مَنْ يَحْفَى وَيَنْتَعِلُ

أَيْ قَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ هَالِكٌ وَأَمَّا كَسْرُ أَنَّ فالتقدير أَتْلُ ما حَرَّمَ [الانعام: 151] وَأَتْلُ أَنَّ هَذَا صِراطِي بِمَعْنَى أَقُولُ وَقِيلَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ. وَأَمَّا فَتْحُ أَنَّ فَقَالَ الْفَرَّاءُ فَتْحُ أَنَّ مِنْ وُقُوعِ أَتْلُ عَلَيْهَا يَعْنِي وَأَتْلُ عَلَيْكُمْ أَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً قَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهَا خَفْضًا وَالتَّقْدِيرُ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ وَبِأَنَّ هَذَا صِرَاطِي. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: من فتح أَنَّ فقياس قوله سِيبَوَيْهِ أَنَّهُ حَمَلَهَا عَلَى قَوْلِهِ: فَاتَّبِعُوهُ وَالتَّقْدِيرُ لِأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً [الْمُؤْمِنُونَ: 52] وَقَالَ سِيبَوَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ أُمَتُّكُمْ وَقَالَ فِي قَوْلِهِ: وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً [الْجِنِّ: 18] وَالْمَعْنَى وَلِأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: الْقُرَّاءُ أَجْمَعُوا عَلَى سُكُونِ الْيَاءِ مِنْ صِراطِي غَيْرَ ابْنِ عَامِرٍ فَإِنَّهُ فَتَحَهَا وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ سِرَاطِي بِالسِّينِ وَحَمْزَةُ بَيْنَ الصَّادِ وَالزَّايِ وَالْبَاقُونَ بِالصَّادِّ صَافِيَةً وَكُلُّهَا لُغَاتٌ قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قَرَأَ الْأَعْمَشُ وَهَذَا صِرَاطِي وَفِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكُمْ وَفِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا بَيَّنَ فِي الْآيَتَيْنِ المتقدمين مَا وَصَّى بِهِ أَجْمَلَ فِي آخِرِهِ إِجْمَالًا يَقْتَضِي دُخُولَ مَا تَقَدَّمَ فِيهِ وَدُخُولَ سَائِرِ الشَّرِيعَةِ فِيهِ فَقَالَ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً

فَدَخَلَ فِيهِ كُلُّ مَا بَيَّنَهُ الرَّسُولُ صَلَّى الله عليه وآله وَسَلَّمَ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الْمَنْهَجُ الْقَوِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ فَاتَّبِعُوا جُمْلَتَهُ وَتَفْصِيلَهُ وَلَا تَعْدِلُوا عَنْهُ فَتَقَعُوا فِي الضَّلَالَاتِ.

وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَطَّ خَطًّا ثُمَّ قَالَ: هَذَا سَبِيلُ الرُّشْدِ ثُمَّ خَطَّ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ خُطُوطًا ثُمَّ قَالَ: هَذِهِ سُبُلٌ عَلَى كل سبيل منها شيطان يدعوا إِلَيْهِ؟ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: وَأَنَّ هَذَا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذِهِ الْآيَاتُ مُحْكَمَاتٌ لَمْ يَنْسَخْهُنَّ شَيْءٌ مِنْ جَمِيعِ الْكُتُبِ مَنْ عَمِلَ بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ تركهن دخل النار.

ثم قال: ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ اي بالكتاب لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ المعاصي والضلالات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015