صِلِيًّا
[مريم: 70] وقال: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها [إبراهيم: 29، ص: 56، المجادلة: 8] قال الفراء: الصلي:
اسم الوقود وهو الصلاة إِذَا كَسَرْتَ مَدَتَّ، وَإِذَا فَتَحْتَ قَصَرْتَ، وَمَنْ ضَمَّ الْيَاءَ فَهُوَ مِنْ قَوْلِهِمْ: أَصْلَاهُ اللَّهُ حَرَّ النَّارِ إِصْلَاءً. قَالَ: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا [النِّسَاءِ: 30] وَقَالَ تَعَالَى: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [الْمُدَّثِّرِ: 26] قَالَ صَاحِبُ «الْكَشَّافِ» : قُرِئَ سَيَصْلَوْنَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ وَتَشْدِيدِهَا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: السَّعِيرُ: هُوَ النَّارُ الْمُسْتَعِرَةُ يُقَالُ: سَعَرْتُ النَّارَ أَسْعَرُهَا سَعْرًا فَهِي مَسْعُورَةٌ وَسَعِيرٌ، وَالسَّعِيرُ مَعْدُولٌ عَنْ مَسْعُورَةٍ كَمَا عُدِلَ كَفٌّ خَضِيبٌ عَنْ مَخْضُوبَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: سَعِيراً لِأَنَّ الْمُرَادَ نَارٌ مِنَ النِّيرَانِ مُبْهَمَةٌ لَا يَعْرِفُ غَايَةَ شِدَّتِهَا إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: رُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ثَقُلَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ فَاحْتَرَزُوا عَنْ مُخَالَطَةِ الْيَتَامَى بِالْكُلِّيَّةِ، فَصَعُبَ الْأَمْرُ عَلَى الْيَتَامَى فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ [الْبَقَرَةِ: 220] وَمِنَ الْجُهَّالِ مَنْ قَالَ:
صَارَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَنْسُوخَةً بِتِلْكَ، وَهُوَ بَعِيدٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الْمَنْعِ مِنَ الظُّلْمِ وَهَذَا لَا يَصِيرُ مَنْسُوخًا، بَلِ الْمَقْصُودُ أَنَّ مُخَالَطَةَ أَمْوَالِ الْيَتَامَى إِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ الظُّلْمِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الْإِثْمِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى سَبِيلِ التَّرْبِيَةِ وَالْإِحْسَانِ فَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ أَبْوَابِ الْبِرِّ، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ والله أعلم.
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (11)
[في قوله تعالى يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إلى قوله تعالى فَلَهَا النِّصْفُ] وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: النَّسَبُ، وَالْآخَرُ الْعَهْدُ، أَمَّا النَّسَبُ فَهُمْ مَا كَانُوا يُوَرِّثُونَ الصِّغَارَ وَلَا الْإِنَاثَ. وَإِنَّمَا كَانُوا يُوَرِّثُونَ مِنَ الْأَقَارِبِ الرِّجَالَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْخَيْلِ وَيَأْخُذُونَ الْغَنِيمَةَ، وَأَمَّا الْعَهْدُ فَمِنْ وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْحِلْفُ، كَانَ الرَّجُلُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُ لِغَيْرِهِ: دَمِي دَمُكَ، وَهَدْمِي هَدْمُكَ، وَتَرِثُنِي وَأَرِثُكَ، وَتَطْلُبُ بِي وَأَطْلُبُ بِكَ، فَإِذَا تَعَاهَدُوا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَأَيُّهَمَا مَاتَ قَبْلَ صَاحِبِهِ كَانَ لِلْحَيِّ مَا اشْتَرَطَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَالثَّانِي: التَّبَنِّي، فَإِنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَتَبَنَّى ابْنَ غَيْرِهِ فَيُنْسَبُ إِلَيْهِ دُونَ أَبِيهِ مِنَ النَّسَبِ وَيَرِثُهُ، وَهَذَا التَّبَنِّي نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمُعَاهَدَةِ، وَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَهُمْ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ: بَلْ قَرَّرَهُمُ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ فَقَالَ: وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ [النِّسَاءِ: 33] وَالْمُرَادُ التَّوَارُثُ بِالنَّسَبِ. ثُمَّ قَالَ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ [النِّسَاءِ: 33] وَالْمُرَادُ بِهِ التَّوَارُثُ بِالْعَهْدِ، وَالْأَوَّلُونَ قَالُوا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ النَّصِيبَ مِنَ الْمَالِ، بَلِ الْمُرَادُ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنَ النُّصْرَةِ وَالنَّصِيحَةِ وَحُسْنِ الْعِشْرَةِ، فَهَذَا شَرْحُ أَسْبَابِ التَّوَارُثِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.