وقال ابن زيد: المراد ب مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ: الأصنامُ والأوثان، لأنَّهم كانوا يجعلون الحلي على كثير منها، ويتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة «1» ، وقرأ أكثر السبعة:
وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً وقرأ الحَرَمِيَّانِ وابنُ عَامِرٍ: «عِنْدَ الرحمن إناثاً» وهذه القراءة أَدَلُّ على رفع المنزلة «2» .
وقوله تعالى: «أأشهدوا خَلْقَهُمْ» معناه أَأُحْضِرُوا خَلْقَهُمْ، وفي قوله تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ وعيدٌ مُفْصِحٌ، وأسند ابن المبارك عن سليمان بن راشِدٍ أنه بلغه أَنَّ امرأ لا يشهدُ شهادةً في الدنيا إلاَّ شَهِدَ بها يومَ القيامة على رؤوس الأشهاد، ولا يمتدح عبداً في الدنيا إلاَّ امتدحه يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، قال القرطبيُّ في «تذكرته» : وهذا صحيح يَدُلُّ على صِحَّتِهِ قوله تعالى: سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ وقوله: مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18] انتهى.
وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (?) أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ (21) بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آباءَكُمْ قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (24)
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (25)
وقوله سبحانه: وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ مَا عَبَدْناهُمْ ... الآية، أي: ما عبدنا الأصنام.
ت: وقال قتادة وغيره: يعني: ما عبدنا الملائكة «3» ، وجعل الكفارُ إمهالَ اللَّه لهم دليلاً على رضاه عنهم، وأنَّ ذلك كالأمرِ به، ثم نفى سبحانه علمهم بهذا، وليس عندهم كتاب مُنَزَّلٌ يقتضي ذلك وإنَّما هم يَظُنُّونَ ويحدسون/ ويُخَمِّنُون، وهذا هو الخَرْصُ والتخرُّص، والأُمَّة هنا بمعنى الملَّة والديانة، والآية على هذا تُعِيبُ عليهم التقليد،