حِيطَانِ الأَنْصَارِ، فَإذَا جَمَلٌ قَدْ أُتِيَ فَجُرْجِرَ، وذرفت عيناه، فمسح رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سَرَاتَهُ وَذِفْرَاهُ، فَسَكَنَ، فَقَالَ: مَنْ صَاحِبُ الجَمَلِ؟ فَجَاءَ فَتًى مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالَ: هُوَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: أَمَا تَتَّقِي اللَّهَ في هذه البهيمة الّتي ملّكت اللَّهُ إنَّهُ شَكَا إلَيَّ أَنَّكَ تُجِيعُهُ وتُدْئِبُهُ» «1» ومعنى ذَرَفَتْ عَيْنَاهُ، أي: قَطَرَتْ دموعُهما قطراً ضعيفاً، والسَّرَاةُ الظَّهْرُ، «والذفرى» : ما وراءَ الأذنَيْن عن يمين النقرة وشمالها، انتهى.
وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ (15) أَمِ اتَّخَذَ مِمَّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَأَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ (16) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِما ضَرَبَ لِلرَّحْمنِ مَثَلاً ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (17) أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ (18) وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ (19)
وقوله سبحانه: وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً أيْ: جَعَلَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ والعربِ للَّه جزءاً، أي: نصيباً وحَظًّا، وهو قولُ العَرَبِ: «الملائكة بنات اللَّه» هذا قول كثير من المتأولين، وقال قتادة: المراد بالجُزْء: الأَصنَامُ وغيرها «2» ف جُزْءاً معناه: نِدًّا.
ت: وباقي الآية يُرَجِّحُ تأويلَ الأكثرِ.
وقوله: أَمِ اتَّخَذَ: إضرابٌ وتقريرٌ وتوبيخٌ إذِ المحمود المحبوبُ من الأولاد قد خَوَّلَهُ اللَّه بني آدم، فكيفَ يتَّخِذُ هو لنفسه النصيب الأدنى، وباقي الآية بَيِّنٌ مِمَّا ذُكِرَ في «سورة النحل» وغيرها.
ثم زاد سبحانه في توبيخهم وإفساد رأيهم بقوله: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ التقدير: أو مَنْ يُنَشَّأُ في الحلية هو الذي خصصتم به الله عز وجل، والحلية: الحلي من الذهب/ والفضة والأحجار، ويُنَشَّؤُا معناه: ينبت ويكبر، والْخِصامِ: المحاجَّةُ ومجاذبة المحاورة، وقَلَّ ما تجد امرأة إلاَّ تُفْسِدُ الكلام وتخلط المعاني، وفي مصحف ابن مسعود «3» : «وَهُوَ في الكَلاَمِ غَيْرُ مُبِينٍ» والتقدير: غير مُبِينٍ غَرَضاً أو منزعاً ونحو هذا،