قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ: فَامْضُوا إِلَيْهِ وَاعْمَلُوا لَهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنَ السَّعْيِ الْإِسْرَاعَ، إِنَّمَا الْمُرَادُ مِنْهَا الْعَمَلُ وَالْفِعْلُ، كَمَا قَالَ: "وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ" (الْبَقَرَةِ -205) وَقَالَ: "إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى" (اللَّيْلِ -4) .
وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقْرَأُ: فَامْضُوا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ، وَكَذَلِكَ هِيَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ (?) . وَقَالَ الْحَسَنُ: أَمَا وَاللَّهِ مَا هُوَ بِالسَّعْي عَلَى الْأَقْدَامِ، وَلَقَدْ نُهُوا أَنْ يَأْتُوا الصَّلَاةَ إِلَّا وَعَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ، وَلَكِنْ بِالْقُلُوبِ وَالنِّيَّةِ وَالْخُشُوعِ (?)
وَقَالَ قَتَادَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" قَالَ: فَالسَّعْيُ أَنْ تَسْعَى بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ وَهُوَ الْمَشْيُ إِلَيْهَا (?) وَكَانَ يَتَأَوَّلُ قَوْلَهُ: "فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ" (الصَّافَاتِ -102) يَقُولُ فَلَمَّا مَشَى مَعَهُ.
أَخْبَرَنَا الْإِمَامُ أَبُو [عَلِيٍّ] (?) الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَاضِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ الْحِيرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مَعْقِلٍ الْمَيْدَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ، وَلَكِنِ ائْتُوهَا تَمْشُونَ وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ [وَالْوَقَارُ] (?) فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمِّوهَا" (?) قَوْلُهُ {إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} أَيْ إِلَى الصَّلَاةِ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: "فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ" قَالَ هُوَ مَوْعِظَةُ الْإِمَامِ {وَذَرُوا الْبَيْعَ} يَعْنِي الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُمَا جَمِيعًا. وَإِنَّمَا يَحْرُمُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: عِنْدَ خُرُوجِ الْإِمَامِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ حَرُمَ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ {ذَلِكُمْ} الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ حُضُورِ الْجُمُعَةِ وَتَرْكِ الْبَيْعِ، {خَيْرٌ لَكُمْ} مِنَ الْمُبَايَعَةِ {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} مَصَالِحَ أَنْفُسِكُمْ.