109

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ مُسْتَنًّا فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ [فَإِنَّ الْحَيَّ لَا تُؤْمَنُ عَلَيْهِ الْفِتْنَةُ] (?) أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَبَرَّهَا قُلُوبًا، وَأَعْمَقَهَا عِلْمًا، وَأَقَلَّهَا تَكَلُّفًا، قَوْمٌ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِصُحْبَةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِقَامَةِ دِينِهِ، [فَاعْرِفُوا لَهُمْ فَضْلَهُمْ، وَاتَّبِعُوهُمْ فِي آثَارِهِمْ وَتَمَسَّكُوا بِمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ وَسِيَرِهِمْ] (?) ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْهُدَى الْمُسْتَقِيمِ (?) .

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَسُبْحَانَ اللَّهِ} أَيْ: وَقُلْ سُبْحَانَ اللَّهِ تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا أَشْرَكُوا بِهِ. {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} .

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ (109) } .

{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ} يَا مُحَمَّدُ، {إِلَّا رِجَالًا} لَا مَلَائِكَةً، {نُوحِي إِلَيْهِمْ} قَرَأَ حَفْصٌ: {نُوحِي} بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْحَاءِ وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْيَاءِ وَفَتْحِ الْحَاءِ.

{مِنْ أَهْلِ الْقُرَى} يَعْنِي: مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ دُونَ الْبَوَادِي، لِأَنَّ أَهْلَ الْأَمْصَارِ أَعْقَلُ وَأَفْضَلُ وَأَعْلَمُ وَأَحْلَمُ.

[وَقَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا مِنْ بَدْوٍ، وَلَا مِنَ الْجِنِّ، وَلَا مِنَ النِّسَاءِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا لَمْ يَبْعَثْ] (?) مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ لِغِلَظِهِمْ وَجَفَائِهِمْ.

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} يَعْنِي: هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ الْمُكَذِّبِينَ، {فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ} آخِرُ أَمْرِ، {الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} يَعْنِي: الْأُمَمَ الْمُكَذِّبَةَ فَيَعْتَبِرُوا.

{وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} يَقُولُ جَلَّ ذِكْرُهُ: هَذَا فِعْلُنَا بِأَهْلِ وِلَايَتِنَا وَطَاعَتِنَا؛ أَنْ نُنْجِيَهُمْ عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ، وَمَا فِي الدَّارِ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَهُمْ، فَتَرَكَ مَا ذَكَرْنَا اكْتِفَاءً، لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلَدَارُ الْآخِرَةِ} قِيلَ: مَعْنَاهُ وَلَدَارُ الْحَالِّ الْآخِرَةِ.

وَقِيلَ: هُوَ إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى نَفْسِهِ، كَقَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ} (الْوَاقِعَةِ -95) وَكَقَوْلِهِمْ: يَوْمُ الْخَمِيسِ، وَرَبِيعُ الْآخَرِ، {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} فَتُؤْمِنُونَ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015