يَكُونُ فِيهَا فَنَشْرَ جَنَاحَهُ وَعَلَيْهِ وِشَاحٌ مِنْ دُرٍّ مَنْظُومٍ، وَهُوَ بَرَّاقُ الثَّنَايَا، أَجْلَى الْجَبِينِ، وَرَأَسُهُ حُبُكٌ (?) مِثْلُ الْمَرْجَانِ، كَأَنَّهُ الثَّلْجُ بَيَاضًا وَقَدَمَاهُ إِلَى الْخُضْرَةِ، فَضَرَبَ بِجَنَاحِهِ وُجُوهَهُمْ فَطَمَسَ أَعْيُنَهُمْ وَأَعْمَاهُمْ، فَصَارُوا لَا يَعْرِفُونَ الطَّرِيقَ وَلَا يَهْتَدُونَ إِلَى بُيُوتِهِمْ، فَانْصَرَفُوا وَهُمْ يَقُولُونَ: النَّجَاءَ النَّجَاءَ، فَإِنَّ فِي بَيْتِ لُوطٍ أَسْحَرَ قَوْمٍ فِي الْأَرْضِ سَحَرُونَا، وَجَعَلُوا يَقُولُونَ: يَا لُوطُ كَمَا أَنْتَ حَتَّى تُصْبِحَ فَسَتَرَى مَا تَلْقَى مِنَّا غَدًا. يُوعِدُونَهُ، فَقَالَ (?) لُوطٌ لِلْمَلَائِكَةِ: مَتَى مَوْعِدُ إِهْلَاكِهِمْ؟ فَقَالُوا: الصُّبْحُ، فَقَالَ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ فَلَوْ أَهْلَكْتُمُوهُمُ الْآنَ، فَقَالُوا {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} ثُمَّ قَالُوا، {فَأَسْرِ} يَا لُوطُ، {بِأَهْلِكَ} .
قَرَأَ أَهْلُ الْحِجَازِ "فَاسْرِ وأنِ اسْرِ" بِوَصْلِ الْأَلِفِ [حَيْثُ وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ] (?) مِنْ سَرَى يَسْرِي، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِقَطْعِ الْأَلْفِ مِنْ أَسْرَى يُسْرِي، وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ وَهُوَ الْمَسِيرُ بِاللَّيْلِ.
{بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بِطَائِفَةٍ مِنَ اللَّيْلِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: بِبَقِيَّةٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَعْدَ مُضِيِّ أَوَّلِهِ وَقِيلَ: إِنَّهُ السَّحَرُ الْأَوَّلُ.
{وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ} قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: "امْرَأَتُكَ" بِرَفْعِ التَّاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِالْتِفَاتِ، أَيْ: لَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتُكَ فَإِنَّهَا تَلْتَفِتُ فَتَهْلِكُ، وَكَانَ لُوطٌ قَدْ أَخْرَجَهَا مَعَهُ وَنَهَى مَنْ تَبِعَهُ، مِمَّنْ أَسْرَى بِهِمْ أَنْ يَلْتَفِتَ، سِوَى (?) زَوْجَتِهِ، فَإِنَّهَا لَمَّا سَمِعَتْ هَدَّةَ الْعَذَابِ الْتَفَتَتْ، وَقَالَتْ: يَا قَوْمَاهُ، فَأَدْرَكَهَا حَجَرٌ فَقَتَلَهَا.
وَقَرَأَ الْآخَرُونَ: بِنَصْبِ التَّاءِ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الْإِسْرَاءِ، أَيْ: فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ فَلَا تَسْرِ بِهَا وَخَلِّفْهَا مَعَ قَوْمِهَا، فَإِنَّ هَوَاهَا إِلَيْهِمْ، وَتَصْدِيقُهُ قِرَاءَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ "فَأَسَرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ إِلَّا امْرَأَتَكَ وَلَا يَلْتَفِتُ مِنْكُمْ أَحَدٌ".
{إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} مِنَ الْعَذَابِ، {إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ} أَيْ: مَوْعِدُ هَلَاكِهِمْ وَقْتُ الصُّبْحِ، فَقَالَ لُوطٌ: أُرِيدُ أَسْرَعَ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالُوا {أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ} .