عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ: أَلَا لَا يُتْبَعُ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ.
وَأُتِيَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ صِفِّينَ بِأَسِيرٍ فَقَالَ لَهُ: لَا أَقْتُلُكَ صَبْرًا إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَمَا أَتْلَفَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ عَلَى الْأُخْرَى فِي حَالِ الْقِتَالِ مِنْ نَفْسٍ أَوْ مَالٍ فلا ضمان عليها.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كَانَتْ فِي تِلْكَ الْفِتْنَةِ دِمَاءٌ يُعْرَفُ فِي بَعْضِهَا الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ، وَأُتْلِفَ فِيهَا أَمْوَالٌ كَثِيرَةٌ ثُمَّ صَارَ النَّاسُ إِلَى أَنْ سَكَنَتِ الْحَرْبُ بَيْنَهُمْ، وَجَرَى الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ فَمَا عَلِمْتُهُ اقْتَصَّ مِنْ أَحَدٍ وَلَا أَغْرَمَ مَالًا أَتْلَفَهُ.
أَمَّا مَنْ لَمْ يَجْتَمِعْ فِيهِمْ هَذِهِ الشَّرَائِطُ الثَّلَاثُ بِأَنْ كَانُوا جَمَاعَةً قَلِيلِينَ لَا مَنَعَةَ [1] لَهُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ تَأْوِيلٌ، أَوْ لَمْ يُنَصِّبُوا إِمَامًا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُمْ إِنْ لم ينصبوا قتالا أو لم يَتَعَرَّضُوا لِلْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ فَعَلُوا فَهُمْ كقطاع الطريق.
وروى أن عليا سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، لَكُمْ عَلَيْنَا ثَلَاثٌ لَا نَمْنَعُكُمْ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ تَذْكُرُوا فِيهَا اسْمَ اللَّهِ، وَلَا نَمْنَعُكُمُ الْفَيْءَ مَا دَامَتْ أَيْدِيكُمْ مع أيدينا، ولا نبدأكم بقتال.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ، الْآيَةَ.
«2003» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ فِي ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ، فَكَانَ إِذَا أَتَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقُوهُ بِالْمَجْلِسِ أَوْسَعُوا لَهُ حَتَّى يَجْلِسَ إِلَى جَنْبِهِ، فَيَسْمَعَ مَا يَقُولُ، فَأَقْبَلَ ذَاتَ يَوْمٍ وَقَدْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ الصَّلَاةِ أَخَذَ أَصْحَابُهُ مَجَالِسَهُمْ، فَضَنَّ كُلُّ رَجُلٍ بِمَجْلِسِهِ فَلَا يَكَادُ يُوَسِّعُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ، فَكَانَ الرَّجُلُ إِذَا جَاءَ فَلَمْ يَجِدْ مَجْلِسًا يَجْلِسُ فِيهِ قَامَ قَائِمًا كَمَا هُوَ، فَلَمَّا فَرَغَ ثَابِتٌ مِنَ الصَّلَاةِ أَقْبَلَ نَحْوَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، وَيَقُولُ: تَفَسَّحُوا تَفَسَّحُوا، فَجَعَلُوا يَتَفَسَّحُونَ لَهُ حَتَّى انْتَهَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: تَفَسَّحْ، فَقَالَ الرَّجُلُ: قَدْ أَصَبْتَ مَجْلِسًا فَاجْلِسْ، فَجَلَسَ ثَابِتٌ خَلْفَهُ مُغْضَبًا، فَلَمَّا انْجَلْتِ الظُّلْمَةُ غَمَزَ ثَابِتٌ الرَّجُلَ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا فُلَانٌ، فقال له ثَابِتٌ: ابْنُ فُلَانَةٍ، وَذَكَرَ أُمًّا لَهُ كَانَ يُعَيَّرُ بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَنَكَّسَ الرَّجُلُ رَأَسَهُ وَاسْتَحْيَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ.