فَلَمْ يَزَلِ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا حَتَّى تدافعا [1] وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، ولم يكن بينهما قِتَالٌ بِالسُّيُوفِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ عَنِ السُّدِّيِّ: كَانَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهَا أُمُّ زَيْدٍ تَحْتَ رَجُلٍ، وَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا شَيْءٌ فَرَقِيَ بِهَا إِلَى عُلِّيَّةٍ وحبسها، فبلغ ذلك قومها فجاؤوا، وجاء قومه واقتتلوا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالدُّعَاءِ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ وَالرِّضَا بِمَا فِيهِ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما، تَعَدَّتْ إِحْدَاهُمَا، عَلَى الْأُخْرى، وَأَبَتِ الْإِجَابَةَ إِلَى حُكْمِ كِتَابِ اللَّهِ، فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ، تَرْجِعَ، إِلى أَمْرِ اللَّهِ، فِي كتابه وحكمه، فَإِنْ فاءَتْ، رَجَعَتْ إِلَى الْحَقِّ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ، بِحَمْلِهِمَا عَلَى الْإِنْصَافِ وَالرِّضَا بِحُكْمِ اللَّهِ، وَأَقْسِطُوا، اعْدِلُوا، إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.

[سورة الحجرات (49) : آية 10]

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ، فِي الدِّينِ وَالْوِلَايَةِ، فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، إِذَا اخْتَلَفَا وَاقْتَتَلَا، قَرَأَ يَعْقُوبُ بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ بِالتَّاءِ عَلَى الْجَمْعِ، وَاتَّقُوا اللَّهَ، فَلَا تَعْصُوهُ وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ، لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ.

«2002» أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ [بْنُ أَحْمَدَ] الْمَلِيحِيُّ أَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الْحَسَنُ [2] بْنُ أَحْمَدَ المخلدي أَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ إسحاق السراج ثنا قتيبة بن سعيد ثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عَقِيلٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَشْتُمُهُ، مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَفِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَغْيَ لَا يُزِيلُ اسْمَ الْإِيمَانِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهُمْ إِخْوَةً مُؤْمِنِينَ مَعَ كَوْنِهِمْ بَاغِينَ.

يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سُئِلَ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ عَنْ أَهْلِ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ: أَمُشْرَكُونَ هُمْ؟ فَقَالَ: لَا مِنَ الشِّرْكِ فَرُّوا، فَقِيلَ: أَمُنَافِقُونَ هُمْ؟

فَقَالَ: لَا إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، قِيلَ: فَمَا حَالُهُمْ؟ قَالَ: إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا.

وَالْبَاغِي فِي الشَّرْعِ هُوَ الْخَارِجُ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ طَائِفَةٌ لَهُمْ قُوَّةٌ وَمَنَعَةٌ فَامْتَنَعُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ الْعَدْلِ بِتَأْوِيلٍ مُحْتَمَلٍ، وَنَصَّبُوا إِمَامًا فَالْحُكْمُ فِيهِمْ أَنْ يَبْعَثَ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ وَيَدْعُوَهُمْ إِلَى طَاعَتِهِ، فَإِنْ أَظْهَرُوا مَظْلَمَةً أَزَالَهَا عَنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا مَظْلَمَةً وَأَصَرُّوا عَلَى بَغْيِهِمْ قَاتَلَهُمُ الْإِمَامُ حَتَّى يَفِيئُوا إِلَى طَاعَتِهِ، ثُمَّ الْحُكْمُ فِي قِتَالِهِمْ أَنْ لَا يُتْبَعَ مُدْبِرُهُمْ وَلَا يُقْتَلَ أَسِيرُهُمْ، وَلَا يُذَفَّفَ على جريحهم، نادى منادي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015