[سورة ص (38) : الآيات 9 الى 12]

أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ (9) أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ (10) جُنْدٌ مَا هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ (11) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12)

أَمْ عِنْدَهُمْ أَعِنْدَهُمْ، خَزائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ، أَيْ نِعْمَةُ رَبِّكَ يَعْنِي: مَفَاتِيحَ النبوة يعطونها من شاؤوا، نظيره أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ [الزُّخْرُفُ: 32] أَيْ نُبُوَّةَ رَبِّكَ، الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ، الْعَزِيزِ فِي مُلْكِهِ الْوَهَّابِ وَهَبَ النُّبُوَّةَ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

أَمْ لَهُمْ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما، أَيْ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ، أَيْ إِنِ ادَّعَوْا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلْيَصْعَدُوا فِي الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوَصِّلُهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فليأتوا مِنْهَا بِالْوَحْيِ إِلَى مَنْ يَخْتَارُونَ، قَالَ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ: أَرَادَ بِالْأَسْبَابِ أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَطُرُقَهَا مِنْ سَمَاءٍ إِلَى سَمَاءٍ، وَكُلُّ مَا يُوَصِّلُكَ إِلَى شَيْءٍ مِنْ بَابٍ أَوْ طَرِيقٍ فَهُوَ سَبَبُهُ، وَهَذَا أَمْرُ تَوْبِيخٍ وَتَعْجِيزٍ.

جُنْدٌ مَا هُنالِكَ، أَيْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ هَذَا القول جند ما هنالك، وما صِلَةٌ، مَهْزُومٌ مَغْلُوبٌ، مِنَ الْأَحْزابِ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَجْنَادِ يَعْنِي قُرَيْشًا، قَالَ قَتَادَةُ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِمَكَّةَ أَنَّهُ سَيَهْزِمُ جُنْدَ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [الْقَمَرُ: 45] ، فَجَاءَ تَأْوِيلُهَا يوم بدر، وهناك إِشَارَةٌ إِلَى بَدْرٍ وَمَصَارِعِهِمْ مِنَ الْأَحْزَابِ، أَيْ مِنْ جُمْلَةِ الْأَحْزَابِ أَيْ هُمْ مِنَ الْقُرُونِ الْمَاضِيَةِ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا وَتَجَمَّعُوا عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِالتَّكْذِيبِ، فَقُهِرُوا وَأُهْلِكُوا.

ثُمَّ قَالَ مُعَزِّيًا لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: ذُو الْبِنَاءِ الْمُحْكَمِ، وَقِيلَ: أَرَادَ ذُو الْمُلْكِ الشَّدِيدِ الثَّابِتِ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: تَقُولُ الْعَرَبُ هُمْ فِي عِزٍّ ثَابِتِ الْأَوْتَادِ يُرِيدُونَ أَنَّهُ دَائِمٌ شَدِيدٌ.

وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ يَعْفُرَ:

«وَلَقَدْ غَنَوْا فِيهَا بِأَنْعَمِ عِيشَةٍ ... فِي ظِلِّ مُلْكٍ ثَابِتِ الأوتاد»

وأصل هَذَا أَنَّ بُيُوتَهُمْ كَانَتْ تُثَبَّتُ بِالْأَوْتَادِ.

وَقَالَ الضَّحَّاكُ: ذُو الْقُوَّةِ وَالْبَطْشِ. وَقَالَ عَطِيَّةُ: ذُو الْجُنُودِ وَالْجُمُوعِ [1] الْكَثِيرَةِ، يَعْنِي أَنَّهُمْ كَانُوا يُقَوُّونَ أَمْرَهُ، وَيَشُدُّونَ [2] مُلْكَهُ، كَمَا يُقَوِّي الْوَتَدُ الشَّيْءَ، وَسُمِّيَتِ الْأَجْنَادُ أَوْتَادًا لِكَثْرَةِ الْمَضَارِبِ الَّتِي كَانُوا يَضْرِبُونَهَا وَيُوَتِّدُونَهَا فِي أَسْفَارِهِمْ، وَهُوَ رِوَايَةُ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: الْأَوْتَادُ جَمْعُ الْوَتَدِ وَكَانَتْ لَهُ أَوْتَادٌ يُعَذِّبُ النَّاسَ عَلَيْهَا، وَكَانَ إِذَا غَضِبَ عَلَى أَحَدٍ مَدَّهُ مُسْتَلْقِيًا بَيْنَ أربعة أوتاد يشد كُلَّ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْهُ إِلَى سَارِيَةٍ وَيَتْرُكُهُ كَذَلِكَ فِي الْهَوَاءِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ حَتَّى يَمُوتَ.

وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: كَانَ يَمُدُّ الرَّجُلَ مُسْتَلْقِيًا عَلَى الأرض ثم يَشُدُّ [3] يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَرَأْسَهُ عَلَى الْأَرْضِ بِالْأَوْتَادِ وَقَالَ الْسُّدِّيُّ: كَانَ يمد الرجل ويشد بِالْأَوْتَادِ وَيُرْسِلُ عَلَيْهِ الْعَقَارِبَ وَالْحَيَّاتِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَعَطَاءٌ: كَانَتْ لَهُ أَوْتَادٌ وَأَرْسَانٌ وَمَلَاعِبُ يُلْعَبُ عَلَيْهَا بين يديه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015