كُلَّهُ] [1] بِالتَّسْبِيحِ مَعَهُ. وَقَالَ وَهْبٌ: نَوِّحِي مَعَهُ، وَالطَّيْرَ، عُطِفَ عَلَى مَوْضِعِ الْجِبَالِ، لِأَنَّ كُلَّ مُنَادَى فِي مَوْضِعِ النَّصْبِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ وَسَخَّرْنَا وَأَمَرْنَا الطَّيْرَ أَنْ تُسَبِّحَ مَعَهُ. وَقَرَأَ يَعْقُوبُ: «وَالطَّيْرُ» بِالرَّفْعِ رَدًّا عَلَى الْجِبَالِ أَيْ أَوِّبِي أَنْتِ وَالطَّيْرُ. وَكَانَ دَاوُدُ إِذَا نادى بالنياحة [2] أَجَابَتْهُ الْجِبَالُ بِصَدَاهَا، وَعَكَفَتِ الطَّيْرُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْقِهِ، فَصَدَى الْجِبَالِ الَّذِي يَسْمَعُهُ النَّاسُ الْيَوْمَ مِنْ ذَلِكَ. وَقِيلَ: كَانَ دَاوُدُ إِذَا تَخَلَّلَ الْجِبَالَ فَسَبَّحَ اللَّهَ جَعَلَتِ الْجِبَالُ تُجَاوِبُهُ بِالتَّسْبِيحِ نَحْوَ مَا يُسَبِّحُ. وَقِيلَ: كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِذَا لَحِقَهُ فُتُورٌ أَسْمَعُهُ اللَّهُ تَسْبِيحَ الْجِبَالِ تَنْشِيطًا لَهُ. وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ، حَتَّى كَانَ الْحَدِيدُ فِي يَدِهِ كَالشَّمْعِ وَالْعَجِينِ يعمل فيه مَا يَشَاءُ مِنْ غَيْرِ نَارٍ وَلَا ضَرْبِ مِطْرَقَةٍ.

وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْأَخْبَارِ أَنْ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا مَلَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ مِنْ عَادَتِهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلنَّاسِ مُتَنَكِّرًا فَإِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يعرفه يقدم إليه ويسأله عن داود فيقول لَهُ: مَا تَقُولُ فِي دَاوُدَ وَالِيكُمْ هَذَا أَيُّ رَجُلٍ هُوَ فَيُثْنُونَ عَلَيْهِ، وَيَقُولُونَ خَيْرًا فَقَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَلَكًا فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ فَلَمَّا رَآهُ دَاوُدُ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ عَلَى عَادَتِهِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ الْمَلَكُ: نِعْمَ الرَّجُلُ هُوَ لَوْلَا خَصْلَةٌ فِيهِ، فَرَاعَ دَاوُدَ ذَلِكَ وَقَالَ: مَا هِيَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّهُ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ عِيَالَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، قَالَ فَتَنَبَّهَ لِذَلِكَ وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُسَبِّبَ لَهُ سَبَبًا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَيَتَقَوَّتُ مِنْهُ وَيُطْعِمُ عِيَالَهُ، فَأَلَانَ اللَّهُ تَعَالَى له الحديد وعلمه صنعة الدروع، وَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنِ اتَّخَذَهَا. وَيُقَالُ: إِنَّهُ كَانَ يَبِيعُ كُلَّ دِرْعٍ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَيَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مِنْهَا عِيَالَهُ وَيَتَصَدَّقُ مِنْهَا عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. وَيُقَالُ إِنَّهُ كَانَ يَعْمَلُ كُلَّ يَوْمٍ دِرْعًا يَبِيعُهَا بِسِتَّةِ آلَافِ دِرْهَمٍ، فَيُنْفِقُ أَلْفَيْنِ مِنْهَا عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، وَيَتَصَدَّقُ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ عَلَى فُقَرَاءِ بَنِي إِسْرَائِيلَ.

«1757» قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَأْكُلُ إِلَّا مِنْ عَمَلِ يَدِهِ» .

أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ، دُرُوعًا كَوَامِلَ وَاسِعَاتٍ طِوَالًا تَسْحَبُ فِي الْأَرْضِ، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ، وَالسَّرْدُ نَسْجُ الدُّرُوعِ، يُقَالُ لِصَانِعِهِ: السَّرَّادُ وَالزَّرَّادُ، يَقُولُ: قَدِّرِ الْمَسَامِيرَ فِي حَلَقِ الدِّرْعِ أَيْ لَا تَجْعَلِ الْمَسَامِيرَ دِقَاقًا فَتُفْلِتُ وَلَا غِلَاظًا فَتَكْسِرُ الْحَلَقَ، وَيُقَالُ السَّرْدُ [3] الْمِسْمَارُ فِي الْحَلْقَةِ، يُقَالُ: دِرْعٌ مَسْرُودَةٌ أَيْ مَسْمُورَةُ الْحَلَقِ، وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ اجْعَلْهُ عَلَى الْقَصْدِ وَقَدْرِ الْحَاجَةِ، وَاعْمَلُوا صالِحاً، يُرِيدُ دَاوُدَ وَآلَهُ، إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ.

وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ، أَيْ وَسَخَّرْنَا لِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ، وَقَرَأَ أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ «الرِّيحُ» بِالرَّفْعِ أَيْ [لَهُ تسخيرا] [4] الرِّيحَ، غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ، أَيْ سَيْرُ غُدُوِّ تِلْكَ الرِّيحِ الْمُسَخَّرَةِ لَهُ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَسَيْرُ رَوَاحِهَا مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَكَانَتْ تَسِيرُ بِهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ مَسِيرَةَ شَهْرَيْنِ. قَالَ الْحَسَنُ: كَانَ يَغْدُو من دمشق فيقبل بإصطخر و [كان] [5] بينهما مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ثُمَّ يَرُوحُ مِنْ اصْطَخْرَ فَيَبِيتُ بِكَابُلَ وَبَيْنَهُمَا مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ. وَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَتَغَدَّى بِالرَّيِّ وَيَتَعَشَّى بِسَمَرْقَنْدَ، وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ، أَيْ أذبنا له عين النحاس، والقطر النحاس.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015