وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا، في إبطال أدلتنا، مُعاجِزِينَ، يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يَفُوتُونَنَا، أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ، قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَحَفْصٌ وَيَعْقُوبُ: «أَلِيمٌ» بِالرَّفْعِ هَاهُنَا وَفِي الْجَاثِيَةِ [11] عَلَى نَعْتِ الْعَذَابِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالْخَفْضِ عَلَى نَعْتِ الرِّجْزِ، وَقَالَ قَتَادَةُ الرِّجْزُ سُوءُ الْعَذَابِ.
وَيَرَى الَّذِينَ، أي وليرى [1] الَّذِينَ، أُوتُوا الْعِلْمَ، يَعْنِي مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ وَأَصْحَابَهُ. وَقَالَ قَتَادَةُ: هُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ، يَعْنِي الْقُرْآنَ، هُوَ الْحَقَّ، يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَيَهْدِي، يَعْنِي الْقُرْآنَ، إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ.
وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا، مُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ مُتَعَجِّبِينَ مِنْهُ، هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ، أي يخبركم يَعْنُونَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ، قُطِّعْتُمْ كُلَّ تَقْطِيعٍ وَفُرِّقْتُمْ كُلَّ تَفْرِيقٍ وَصِرْتُمْ تُرَابًا إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ، يَقُولُ لَكُمْ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ.
أَفْتَرى، أَلِفُ اسْتِفْهَامٍ دَخَلَتْ عَلَى أَلِفِ الْوَصْلِ وَلِذَلِكَ نَصَبَتْ، عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، يَقُولُونَ أَزَعَمَ كَذِبًا أَمْ بِهِ جُنُونٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى رَدًّا عَلَيْهِمْ: بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ، مِنَ الْحَقِّ في الدنيا.
قوله تعالى: أَفَلَمْ يَرَوْا إِلى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ، فَيَعْلَمُوا أَنَّهُمْ حَيْثُ كَانُوا فَإِنَّ أَرْضِي وَسَمَائِي مُحِيطَةٌ بِهِمْ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ أَقْطَارِهَا وَأَنَا الْقَادِرُ عَلَيْهِمْ، إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ، قَرَأَ الْكِسَائِيُّ «نَخْسِفْ بِهِمْ» بِإِدْغَامِ الْفَاءِ فِي الْبَاءِ، أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِنَ السَّماءِ، قَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ: «إِنْ يَشَأْ يَخْسِفْ أَوْ يُسْقِطْ» ، بِالْيَاءِ فِيهِنَّ لِذِكْرِ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِالنُّونِ فِيهِنَّ إِنَّ فِي ذلِكَ، أَيْ فِيمَا تَرَوْنَ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَآيَةً، تَدُلُّ عَلَى قُدْرَتِنَا عَلَى الْبَعْثِ، لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ، تَائِبٍ رَاجِعٍ إِلَى الله بقلبه.
وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَرَواحُها شَهْرٌ وَأَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ (12)
قوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلًا، يَعْنِي النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ، وَقِيلَ: الْمُلْكُ. وَقِيلَ: جَمِيعُ مَا أُوتِيَ مِنْ حُسْنِ الصَّوْتِ وَتَلْيِينِ الْحَدِيدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا خُصَّ بِهِ، يَا جِبالُ، أَيْ وَقُلْنَا يَا جِبَالُ، أَوِّبِي، أَيْ سَبِّحِي، مَعَهُ، إِذَا سَبَحَ [وَقِيلَ هُوَ تَفْعِيلٌ مِنَ الإياب الرجوع، أي ارجعي مَعَهُ] [2] ، وَقَالَ الْقُتَيْبِيُّ: أَصْلُهُ مِنَ التَّأْوِيبِ فِي السَّيْرِ وَهُوَ أَنْ يسير النهر كله فينزل لَيْلًا [كَأَنَّهُ قَالَ أَوِّبِي النَّهَارَ