خامسة البناء مع الكسر كما حكاه الثقات انتهى، وفي الكشف نقلا عن الصحاح الفداء إذا كسر أوله يمد ويقصر وإذا فتح فهو مقصور. ومن العرب من يكسر الهمزة أي يبنيه على الكسر إذا جاوز لام الجر خاصة لأنه اسم فعل بمعنى الدعاء، وأنشد الأصمعي بيت النابغة مهلا فداء لك. وهذا الكسر مع التنوين كما صرح به في البحر، وظاهر الآية. على ما ذكره السيوطي في أحكام القرآن العظيم. امتناع القتل بعد الأسر وبه قال الحسن. وأخرج ابن جرير. وابن مردويه عنه أنه قال: أتى الحجاج بأسارى فدفع إلى ابن عمر رضي الله تعالى عنهما رجلا يقتله فقال ابن عمر: ليس بهذا أمرنا إنما قال الله تعالى: حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً وفي حكم الأسارى خلاف فذهب الأكثرون إلى أن الإمام بالخيار إن شاء قتلهم إن لم يسلموا لأنه صلّى الله عليه وسلّم قتل صبرا عقبة بن أبي معيط وطعيمة بن عدي والنضر بن الحرث التي قالت فيه أخته أبياتا منها تخاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم:

ما كان ضرك لو مننت وربما ... منّ الفتى وهو المغيظ المحنق

ولأن في قتلهم حسم مادة فسادهم بالكلية، وليس لواحد من الغزاة أن يقتل أسيرا بنفسه فإن فعل بلا ملجىء كخوف شر الأسير كان للإمام أن يعزره إذا وقع على خلاف مقصوده ولكن لا يضمن شيئا، وإن شاء استرقهم لأن فيه دفع شرهم مع وفور المصلحة لأهل الإسلام، وإن شاء تركهم ذمة أحرارا للمسلمين كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه ذلك في أهل السواد إلا أسارى مشركي العرب والمرتدين فإنهم لا تقبل منهم جزية ولا يجوز استرقاقهم بل الحكم فيهم إما الإسلام أو السيف، وإن أسلم الأسارى بعد الأسر لا يقتلهم لاندفاع شرهم بالإسلام، ولكن يجوز استرقاقهم فإن الإسلام لا ينافي الرق جزاء على الكفر الأصلي وقد وجد بعد انعقاد سبب الملك وهو الاستيلاء على الحربي غير المشرك من العرب، بخلاف ما لو أسلموا من قبل الأخذ فإنهم يكونون أحرارا لأنه إسلام قبل انعقاد سبب الملك فيهم، ولا يفادى بالأسارى في إحدى الروايتين عن الإمام أبي جنيفة رضي الله تعالى عنه لما في ذلك من معونة الكفر لأنه يعود الأسير الكافر حربا علينا، ودفع شر حرابته خير من استنقاذ المسلم لأنه إذا بقي في أيديهم كان ابتلاء في حقه فقط، والضرر بدفع أسيرهم إليهم يعود على جماعة المسلمين.

والرواية الأخرى عنه أنه يفادى وهو قول محمد وأبي يوسف والإمام الشافعي ومالك وأحمد إلا بالنساء فإنه لا يجوز المفاداة بهن عندهم، ومنع أحمد المفاداة بصبيانهم، وهذه رواية السير الكبير، قيل: وهو أظهر الروايتين عن الإمام أبي حنيفة، وقال أبو يوسف: تجوز المفاداة بالأسارى قبل القسمة لا بعدها، وعند محمد تجوز بكل حال.

ووجه ما ذكره الأئمة من جواز المفاداة أن تخليص المسلم أولى من قتل الكافر للانتفاع به ولأن حرمته عظيمة وما ذكر من الضرر الذي يعود إلينا بدفعه إليهم يدفعه ظاهرا المسلم الذي يتخلص منهم لأنه ضرر شخص واحد فيقوم بدفعه واحد مثله ظاهرا فيتكافئان وتبقى فضيلة تخليص المسلم وتمكينه من عبادة الله تعالى فإن فيها زيادة ترجيح.

ثم إنه قد ثبت ذلك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد بن حميد وابن جرير عن عمران ابن حصين أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين ويحتج لمحمد بما

أخرجه مسلم أيضا عن إياس بن سلمة عن أبيه سلمة قال: خرجنا مع أبي بكر رضي الله تعالى عنه أمره علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى أن قال فلقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغد في السوق فقال: يا سلمة هب لي المرأة يعني التي نفله أبو بكر إياها. فقلت: يا رسول الله لقد أعجبتني وما كشفت لها ثوبا، ثم لقيني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغد في السوق فقال: «يا سلمة هب لي المرأة لله أبوك» فقلت: هي لك يا رسول الله فو الله ما كشفت لها ثوبا فبعث بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ففدى بها ناسا من المسلمين أسروا بمكة

، ولا يفادى بالأسير إذا أسلم وهو بأيدينا لأنه لا يفيد إلا إذا طابت نفسه وهو مأمون على إسلامه فيجوز لأنه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015