قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً} [الشعراء:67]، أي: في ذلك آية عظيمة وعجيبة ما كان يظن بنو إسرائيل وقوعها، فلما رأوا الآيات أمامهم كان من المفترض أن يكونوا أكثر الخلق إيماناً، فقد رأوا كيف أهلك الله عز وجل فرعون، ولكن في قلوبهم شيء؛ ولذلك قال موسى عليه السلام: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} [الشعراء:62].
يعني: أنكم في شك، وأما أنا فمعي ربي سيهديني، فهداه الله عز وجل وأنجاه وأنجى من معه.
وكذلك لما كانوا في طريقهم في البحر تشككوا أيضاً؛ لأن في البحر اثني عشر طريقاً، فكانوا يطلبون من موسى أن يروا إخوانهم، ويتساءلون: هل أخذهم فرعون أم غرقوا في البحر؟ فإذا به يتعجب من أمرهم هذا، فيضرب في كل مكان من هذه الطرق فيفتح لهم كالشبابيك، فينظر بعضهم إلى بعض.
ثم لما خرجوا بعد ذلك قالوا: إن فرعون لم يهلك مع أنهم يرون الماء يلتطم على فرعون وجنوده، وكأنه قد بقي في أذهانهم قول فرعون: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:24]، وهذا من إجرام فرعون وعتوه وعلوه.
فإذا بالله تعالى يريهم آية أخرى من الآيات فقال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً} [يونس:92].
فأنجى بدنه ولم يجعله يغرق أو تأكله أسمالك البحر مثلاً، ولكن قذفته الأمواج بعد ذلك على البر، فنظر بنو إسرائيل إليه.
والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يذكر فيه الله سبحانه وتعالى أنه أخرج فرعون بجسده من البحر، وأما التوراة التي فيها ذكر موسى وذكر الخروج فلا تذكر إلا أن الله أغرقه فقط وأما إخراجه فلا؛ ولذلك كان هذا سبباً لإسلام أناس من الكفار منهم الطبيب الفرنسي الجراح، موريس بوكاي الذي درس التوراة والإنجيل والقرآن وعمل مقارنة بينها وبين العلم الحديث، ثم أسلم وقال: هذا الكتاب كتاب رب العالمين سبحانه، ثم ذكر قصة فرعون ومن معه، فقال: إن الجثة لما أخذت إلى فرنسا لتحليلها أو لترميمها كشفوا عليها فوجدوا فيها آثار الموت غرقاً، وأن هيئة الجثة تدل على أن هذا ميت مات غرقاً، فقد وجدت أنسجة الجثة مليئة بالملح، وأثبتت التحاليل أيضاً: أنه قعد في البحر فترة وجيزة.
فيقول الدكتور: أظهرت أشعة إكس تكسير العظام دون تمزق الجلد واللحم.
يعني: أن عظمه من الداخل متكسر، وجلده ولحمه من الخارج غير منزوعين ولا متقطعين.
فقال أهل الطب: وهذا دليل على أن الماء ضغط عليه حتى كسر العظام الداخلية، وأما الجسد والأنسجة الخارجية فلم تتأثر، وهذا لا يكون إلا من ضغط الماء فقط.
فقالوا: إن هذا الفرعون الذي جثته عندهم هو فرعون موسى الذي أغرقه الله سبحانه وتعالى، هو الذي يسمونه منبتاح.
وقد ذكره الله تعالى في سورة يونس فقال: {فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ} [يونس:92]، وكأن المعنى أن نخرج البدن سليماً، وفعلاً خرجت الجثة سليمة لينظر لها بنو إسرائيل.
فلعله لو نهشته أسماك البحر أو نزلت عليه صخور من البحر لم يعرفوا هيئته، ولكن الله عز وجل أخرج الجثة أمامهم ليروا أن هذا هو فرعون.
قال سبحانه: {لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ} [يونس:92].