يقول رحمه الله: قال العلماء: فإن استتر فليدخل بعشرة شروط: الأول: ألا يدخل إلا بنية التداوي، أو بنية التطهير عن الرحضاء، أي: أن يكون محتاجاً لهذا الشيء، فإن لم يكن محتاجاً فلا يذهب.
الثاني: أن يتعمد أوقات الخلوة أو قلة الناس.
فلا يذهب في وقت يكثر الناس فيه؛ لأنه قد يكون منهم من لا يستحيي فينكشف أمام هذا الداخل.
الثالث: أن يستر عورته بإزار صفيق، والإزار: هو ثوب يستره من سرته إلى ركبته أو أسفل من ذلك، ومعنى صفيق: أي متين وغليظ.
الرابع: أن يكون نظره إلى الأرض، أو يستقبل الحائط؛ لئلا يقع بصره على محظور، أي: إذا ذهب محتاجاً إلى هذا المكان فليكن بصره للحائط أو للأرض؛ حتى لا ينظر إلى شيء محظور.
الخامس: أن يغير ما يرى من منكر برفق، فيقول: استتر سترك الله، أي: أن يأمر غيره بالاستتار برفق.
السادس: إن دلكه أحد فلا يمكنه من عورته: من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته.
السابع: أن يدخله بأجرة معلومة بشرط أو بعادة الناس.
الثامن: أن يصب الماء على قدر الحاجة.
التاسع: إن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كرائه، أي: عندما يحب أن يدخل مع الناس فلينتظر إلى أن يأتي أناس محترمون أهل دين فيذهب معهم، بحيث يكون في وسط أناس لهم خلق ودين واستتار.
العاشر: أن يتذكر به جهنم، أي: إذا رأى النار تذكر نار جهنم، فيعينه ذلك على الاستتار وعلى غض البصر.
هذه الشروط في الحمام المصري الذي يكون مقفلاً فكيف الحال بالبحر المفتوح الذي فيه الرجال والنساء، فممنوع أن يذهب المسلم إلى مثل هذا المكان فيكون في وسط الناس ويقول: أغض بصري! كيف سيغض بصره؟! إلا أن يكون على الصورة التي ذكرها القرطبي أن يذهب في وسط أناس من أهل الخير والتقوى في وقت خال مثل الفجر أو غيره.
فالمرء المسلم يخاف من الله سبحانه وتعالى، ويحافظ على نفسه، وعلى دينه، ويغض بصره، ولا يذهب إلى مكان يرى فيه الفحش أمامه ولا يقدر على إنكار شيء منه، وقد عمت الفواحش في الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله، والله يقول في كتابه: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال:25]، فالإنسان عندما يختلط بأهل السفه وأهل العري يسهل عليه أن يكون مثلهم، فتجده يذهب إلى البحر وينزل في وسط الناس، ويقف بينهم وفخذاه ظاهرتان، فيهين نفسه شيئاً فشيئاً، حتى يهون في نفسه، ويهون عليه دينه، وينسى ربه سبحانه وتعالى.
فالمسلم دائماً عصمته في الالتجاء إلى الله عز وجل، وفي كونه مع جماعة المسلمين وإخوانه الصالحين، فإذا ذهب إلى مكان فليذهب إلى المكان الذي به أهل الصلاح، وليحرص على أن يطيع الله سبحانه وتعالى، ويغض بصره؛ لأن الإنسان إذا نظر إلى شيء سرعان ما يتساهل ويتأول لنفسه حتى يقع في الفاحشة والعياذ بالله، ولنأخذ العبرة من قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا أخذهم الطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا من قبل)، فتجد الناس يتساهلون في الحرام وفي المنكر وفي العري، ثم يختلط الرجال بالنساء، وبعد ذلك يقعون في الفاحشة، فيأتي العذاب من عند الله سبحانه وتعالى، وهذا ما نسمع عنه في هذه الأيام، فهناك وباء ظهر في الصين وبدأ ينتشر في شرق آسيا وغيرها، وهو وباء (سارس)، وهو التهاب رئوي، وهو: ميكروب ضعيف جداً، والقضاء عليه في خارج جسم الإنسان لا يستغرق خمس دقائق بكلور أو بغيره، أما إذا دخل جسم الإنسان فإنه ليس له علاج، فلم يجدوا له علاجاً إلى الآن، وقد أخذ ينتشر، فالآلاف من الناس يموتون من هذا المرض، وقد قرأنا في الصحف أن الصين يقولون: نريد أن نرجع إلى تقاليدنا القديمة، فلا داعي لأن يقُبِّل الناس بعضهم بعضاً، لقد بدءوا يعرفون سبب الأمراض، فهم عندما يقبلون بعضهم يقعون في الفواحش فيبتليهم الله عز وجل بالأمراض، فمرض الهربس والسيلان والإيدز يأتي من المباشرة الجنسية، فقالوا: لا بد من وضع واقٍ لكي لا يأتي بالمباشرة، ولكن هذا الميكروب أصبح ينتقل إليهم عن طريق التنفس، يخادعون الله سبحانه وتعالى وهو خادعهم، ويريدون أن يعجزوا ربهم سبحانه وتعالى؟! وهيهات أن يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
وقد قالت وزيرة الصحة الصينية ونائبة رئيس الوزراء: نريد أن نرجع إلى التقاليد القديمة، لا داعي لأن يقبل أحدنا الآخر، لا داعي حتى أن يصافح أحدنا الآخر، يريدون أن يسلموا بالإشارة فقط، لقد بدءوا يعرفون أن الفاحشة التي يقعون فيها هي التي تجلب لهم المصائب والأمراض، وكلما كثرت الفواحش في الناس ابتلاهم الله عز وجل، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها)، وأما إذا كانت الفاحشة مستترة فإن الله قد يستر على عباده، حتى إذا أعلنوها بين الناس ضربهم الله بالطاعون والأمراض التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا.
نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.