حكم دخول الحمام

يقول الإمام القرطبي رحمه الله: بهذه الآية حرم العلماء نصاً دخول الحمام بدون مئزر، والمقصود بالحمام هنا: الحمام العمومي، وهو مكان يدخله الناس كلهم يستحمون فيه، وفي الماضي لم يكن هناك حمامات في البيوت، ولم يكن يوجد دورات مياه في البيوت، فكان الصحابة رضوان الله عليهم إذا أراد أحدهم أن يأتي الخلاء فإنه يخرج إلى البقيع فيقضي حاجته ثم يرجع إلى بيته، والنساء كن يخرجن من الليل إلى الليل إلى المناصع -مكان- فتخرج المرأة مع امرأة أخرى لقضاء الحاجة، فكان أمراً صعباً جداً، وهذه كانت عادة العرب في أول الأمر، ثم بعد ذلك فتح الله عز وجل عليهم وأصبحت البيوت بها دورات مياه، ولكن كانت المياه باردة فكانوا يحتاجون لتسخين المياه للاستحمام، ولم يكن البيوت يوجد بها هذا الشيء، فكانوا يحتاجون أن يخرجوا إلى الحمام -وهو مكان فيه نار يخرج منها ماء-، فيذهب الناس يستحمون فيه، والحمام مأخوذ من الحميم، والحميم هو اللهب والنار، فكانوا يذهبون إلى المكان الذي فيه الحميم، ليستحموا بالماء الساخن، فكان البعض من الناس يدخلون ويتكشفون في هذا المكان، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، ولم يكن ذلك مشهوراً عند الصحابة، ولكن لما فتحوا الفتوح بدأوا يذهبون إلى بلاد الشام ويجدون هذه الحمامات، ويذهبون إلى بلاد العراق ويجدون هذه الحمامات ولم يكن معروفاً في المدينة هذا الشيء إلا على سبيل الندرة.

فإذا دخل الإنسان حماماً عمومياً فلا بد له أن يستر ما بين سرته وركبتيه.

وقد جاء عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: أطيب ما أنفق الرجل درهم يعطيه للحمام في خلوة.

فذكر في خلوة، وإن وجد إنسان فيه فليكن هذا مستتر والآخر مثله.

وصح أن ابن عباس رضي الله عنه أنه دخل الحمام وهو محرم بالجحفة، فقالوا: يجوز للرجال أن يدخلوا الحمام بالمآزر، ولكن يستر من سرته إلى فخذه.

قالوا: وكذلك النساء للضرورة، ويشدد في أمر النساء، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي ترويه أم سلمة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده! ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل) إن من النساء في زماننا هذا من تنزع ثيابها في الحمام، وفي بيت غير بيتها، ونراها تمشي كاسية عارية، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تهتك الستر الذي بينها وبين الله عز وجل، أي: تستحق من الله أن يفضحها وأن يعاقبها في الدنيا وفي الآخرة، فقال: (إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل).

وأيضاً جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (احذروا بيتاً يقال له: الحمام) الحديث رواه الطبراني والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عباس، وصححه الشيخ الألباني قالوا: يا رسول الله! ننقي الوسخ، قال: فاستتروا) أي: إذا كنت تحتاج أن تذهب إلى هذا المكان فلا بد أن تكون مستتراًَ ولا تكون متجرداً.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله: وأما دخول الحمام في هذا الزمان فحرام على أهل الفضل والدين.

والمقصود بالزمان زمن القرطبي، وقد كان في القرن السابع رحمه الله تعالى.

قال: لغلبة الجهل على الناس، واستسهالهم إذا توسطوا الحمام رمي مآزرهم أي: أنه يدخل الحمام وعندما يكون في وسط الناس يخلع ثيابه فتبدو عورته أمام الناس، وهذا محرم.

يقول رحمه الله: حتى يرى الرجل البهي ذو الشيبة قائماً وسط الحمام وخارجه بادية عورته، فهذا أمر بين الرجال، فكيف بين النساء؟! لاسيما بالديار المصرية.

هذا كلام القرطبي، وأصله من قرطبة، وسكن في صعيد مصر، ومات فيها رحمه الله تعالى، وعندما رأى أشياء كثيرة في مصر قال: لاسيما بالديار المصرية؛ فإن حماماتهم خالية عن المظاهر التي هي عن أعين الناس سواتر، أي: أن الأشياء التي تستر الناس في حماماتهم قد خلت منها الحمامات المصرية، فكيف لو أتى في هذا الزمان ورأى البحار التي بها العري ولا حول ولا قوة إلا بالله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015