في هذه الآيات وما قبلها من هذه السورة الكريمة يخبر الله سبحانه وتعالى عن أحكام عظيمة، منها ما قدمناه قبل ذلك من أن الله عز وجل بين لنا الآيات، وأخبرنا أن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، وهذا في الذين يحبون إشاعة الفاحشة فقط فكيف بالذين يفعلون الفاحشة؟! لا شك أن لهم عذاباً أليماً في الدنيا، بإقامة الحد عليهم، وبشؤم معصيتهم التي صنعوا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، فمن شؤم هذه الفاحشة أن ينزع الإيمان من قلبه، ويعلق فوق رأسه حتى يتوب إلى الله ثم يرجع إليه إيمانه.
قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النور:19] أي: أن الله يعلم من يستحق هذه العقوبة ويعلم أن الإنسان الذي يقع في رمي المحصنات الغافلات إنسان يستحق العقوبة العظيمة عند الله عز وجل؛ لإفساده بين الخلق، ولاتهامه المؤمنين أهل العفاف وأهل الصدق وأهل التقوى بهذا البهتان العظيم، فالله يعلم من الذي يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة ممن لا يستحقها، وهو يعلم كل شيء، وأنتم لا تعلمون إلا ما يخبركم ويعلمكم به سبحانه.
إذاً: الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم العذاب الأليم في الدنيا بإقامة الحد عليهم، وإذا ماتوا وهم مصرون على هذا الذي قالوه فالله عز وجل يعذبهم عذاباً أليماً في نار جهنم.
قال سبحانه: {وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:20]، والجواب هنا محذوف ولك أن تتخيل ما الذي يحدث حين تعصي ربك سبحانه؟ وما الذي تستحقه من الله عز وجل على هذه المعصية؟ ((وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)) فتقدير
صلى الله عليه وسلم لعذبكم في الدنيا بعذاب أليم، كأن ينزل عليكم من السماء عذاباً، أو يفتح عليكم من الأرض عذاباً، أو يخسفها بكم، ولو يؤاخذ الله العباد بذنوبهم وبما كسبوه لعجل لهم العقوبة في الدنيا، ولكن الله ذو فضل عظيم، حيث يتفضل فيعفو عن العباد، ويتفضل فيعطي العباد، ويتفضل فيفتح باب التوبة للعباد.
قال تعالى: {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} والرءوف اسم من أسماء الله الحسنى فيه رحمة الله سبحانه وحنانه بعباده.
وفيها قراءتان: قراءة نافع وأبي جعفر وابن عامر وحفص عن عاصم {وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [النور:20]، وقراءة باقي القراء: (وَأَنَّ اللَّهَ رَؤُوف رَحِيمٌ) الأولى: رءوف على وزن فعول، والثانية: رَؤُف على وزن فَعُل، وكذا في آيات القرآن التي فيها هذه اللفظة: (رءوف).